د. سامي هلال.. عميد كلية القرآن الكريم الأسبق: رمضان مدرسة لتربية النفس وخلاصها من أمراضها

د. سامى هلال
د. سامى هلال

ونحن بين يدى شهر كريم شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن علينا أن نتفكر أننا بصيامنا نحقق ركنا من أركان الإيمان، فعلينا أن نصوم محتسبين لله عز وجل، وهى أيام قليلة معدودة وألا يمر يوم من أيام رمضان إلا وقد بذلنا فيه غاية الجهد ونؤدى فيه أقصى ما عندنا من العبادات والاجتهادات فإن لله نفحات رحمة يفتحها لعباده، وعلى المسلم أن يستغلها.

ولكن قبل ذلك علينا أن نجتهد فى الوصول للغاية الكبرى التى فرض الصيام من أجلها وهى تحقيق التقوى، وهى الهدف الأكبر والأسمى من الصيام.

فى الحوار التالى نتعرف مع الدكتور سامى هلال، عميد كلية القرآن الأسبق على مفهوم التقوى وكيف ارتبط الصيام بها، فضلا عن الآثار الإيجابية للصوم.

وإلى نص الحوار: 

بداية سألناه كيف يمكن تحقيق التقوى؟
فأجاب: رمضان هو شهر فريضة الصيام، فرضه الله تعالى بقوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) سورة البقرة، فبدأ بنداء المؤمنين الخاضعين لأمر الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا، وكما جاء عن ابن مسعود أن رجلا أتاه فقال: اعهد إلى، فقال: «إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه»، فعلى المسلم حين يسمع يا أيها الذين آمنوا أن يرعى سمعه، ويرخى أذنه لنداء ربه، فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.
 

اقرأ أيضاً | مشروع «مودة» للحفاظ على الأسرة المصرية وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسري

والله عز وجل جعل الصوم ركنا من أركان الإسلام العظام، وعلامة على صحة الإيمان، إذ وجه الخطاب للمؤمنين دون من سواهم، وجاء هذا المعنى صريحا على لسان نبينا محمد خير الأنام صلوات ربى وسلامه عليه، ففى حديث أبى هريرة أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج بيت الله الحرام، وصوم رمضان»، فبين صلى الله عليه وسلم أركان الإسلام ودعائمه، وأن الصيام واحد منها، ولا يجوز التفريط فيه، ولا التهاون فى تركه.

كيف أن الصيام هو مصدر التقوى ومنبعها؟
الصيام والتقوى قرينان، فالصيام هو الإمساك عن المفطرات بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والمفطرات معلومة للجميع من أكل وشرب وجماع بما فى ذلك من تفصيلات، ولكن انظروا فهذه المفطرات مباحة فى الأصل، وليست محرمة، فالصوم امتناع عن أمور حلال مباحة خلال فترة من الزمان، ثم بعد ذلك تصبح متاحة له، فلسنا نصوم عن المسكرات بأنواعها، أو عن الميتة، أو غيرها من المحرمات، بل نمسك عن الحلال المباح مدة من الزمان فقط كما شرع الله.

وكأن المعنى: أن تتمكن من التحكم فيما تشتهيه نفسك من هذا الحلال المباح، فإن استطعت فأنت على غيره أقدر، فمن يقدر على البعد عن شهواته المباحة يقدر على البعد عن الشهوات المحرمة من باب أولى.

وتمام الصيام أن يصوم الإنسان عن معصية الله، أن يجتنب المحظورات، وأن يبتعد عن المحرمات لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال»، بمعنى أنه يبعدك عن الحرام، ويبعدك عما يغضب الواحد القهار، مما يجعلك بعيدا عن النار > من المعلوم أن الصيام شرع على الأمم التى سبقتنا لكن كيف اختص الله سبحانه أمة الإسلام بما لم يخص بها غيرها؟ 

لقد اختص الله تبارك وتعالى أمة الإسلام فى الشهر العظيم بما لم يخص غيرها من الفضل العظيم، فخصنا برمضان، وشرع لنا فيه الصيام والقيام، وامتن علينا بالأجور العظيمة كما قال المولى​​​​​​​: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) سورة البقرة.

وخصنا بليلة خير من ألف شهر، والتى مدحها الله تعالى وشرفها بقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ» سورة الدخان، وبقوله : (إِنَّآ أَنزَلنَٰهُ فِي لَيلَةِ ٱلقَدرِ ١ وَمَآ أَدرَىٰكَ مَا لَيلَةُ ٱلقَدرِ ٢ لَيلَةُ ٱلقَدرِ خَير مِّن أَلفِ  شهر ٣).

وإذا كان الصيام شُرع من أجل التقوى، فهذا دليل على أن التقوى من المطالب العظيمة، وينبغى علينا أن نسلك الأسباب التى توصلنا إليها بعون الله تعالى.

فالصيام مدرسة تتربى فيها النفوس وتتزكى، يربيها على التقوى التى هى صلاح النفس، وطهارة لها من أدرانها، وسلامة لها من أمراضها، وفى الحديث الذى رواه الترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس»، وقال ابن مسعود فى قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ» سورة آل عمران قال: حَقَّ تُقَاتِهِ: «أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يذكر فلا يُنسي».

فالله تبارك وتعالى أوضح لنا الهدف من الصيام وضوحا جليا حين قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، فعلى الصائمين أن يجعلوها نصب أعينهم دائما، يجعلوا التقوى أمامهم طوال صومهم، وفى كل أحوالهم، فى ليلهم وفى نهارهم، حتى إذا انتهى الشهر وانقضى، سعدوا بآثار هذه التقوى، وكانوا على حال طيبة من القرب من ربهم، فالنفوس أصبحت نقية لا تتطلع للمعاصى، ولا تركن إلى الشهوات، والقلوب صارت تقية، وتسارع فى عمل الطاعات.

فإذا تحققت التقوى لن نشتكى من خلو المساجد من عمارها، ولن نحزن على قلة المصلين فى الجماعات، ولن نشكو من العودة لسيء العادات كالتدخين، وسماع الغناء، والسهر أمام الشاشات، كما أن الناس سيسارعون فى مرضات رب الأرض والسموات، وسيعم البلاد الخير والبركات.

فعلى الصائمين أن ينعموا بتقوى الله من مقصد، وحكمة عظيمة وغاية جليلة من حققها فاز فوزا عظيما، ومن تحققت فيه أفلح فلاحا مبينا، كيف لا وأهلها هم الناجون من العذاب: وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون»سورة الزمر.

وكيف لا والأمن والسعادة لأهل التقوى: فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» سورة الأعراف.

وكيف لا؟ وهى تجلب التيسير للمزيد من الخير والطاعات: فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسري».

وكيف لا وطريق الجنة هو طريقها ومسلكها:«تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا «، بل إن الجنة إنما أعدت للمتقين: وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ «وكيف لا وتكفير السيئات ثمرة من ثمارها:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ «، وهى مفتاح البركات وباب الخيرات، وهى عنوان الكرامة عند الملك تبارك وتعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، وهى سبب سعة الأرزاق، ووفرتها، وتفريج الكروب وإزالتها: ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.

وأعظم فضائلها: حصول المعية لرب الأرض والسماء – جل جلاله، وتقدست أسماؤه: إِن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، واستجلاب ولايته عز شأنه: (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ).
فهل التقوى لم تكن غاية، أم كان الخلل فى الصيام؟ حاشا وكلا، إن وعد ربى حق، وليس أصدق منه مقال، ولكننا ظننا أن الصيام جوع وترك للطعام وللشراب، فما أغنى عنا شيئا وما حصلنا إلا السراب.

حدثنا عن أسرار الصيام وأثاره الإيجابية على الصائم؟
من أسرار الصيام أنه يضيق مجارى الشيطان، ويضعف نفوذه وسلطانه على ابن آدم، والله تكفل به من جهة تصفيد مردة الشياطين، ومنعهم من إغواء بنى آدم، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب الشياطين»، والصوم يضعف شهوة النفس، ويكبح هواها، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، ومن أسرار الصوم وحكمه: أنه فيه صحة للبدن من الأمراض والأسقام، فبالصيام يطهر البدن من الفضلات والسموم التى نتجت عن أنواع الطعام الذى يُدخله المرء إلى جوفه طيلة العام، ومع الجوع يبدأ الجسم باستهلاك المخزون الجسدى، وطرد ما فيه من السموم والفضلات، فمع قلة الطعام الناتج عن صيام النهار ينتظم التنفس، ويقل العبء الملقى على القلب، ويتهيأ للجهاز الهضمى أن يجدد أنسجته التالفة، كما أن قلة الفضلات تسمح بإراحة الكلى وتجدد نشاطها، إلى غير ذلك من الفوائد الصحية العظيمة.