حكايات| ممنوع التدخين ومحظور التحدث في الدين والسياسة.. قرية تكافح الفتنة والطائفية بالحب.. صور وفيديو 

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

وسط نار الفتن وحروب المناصب وصراعات الكراسي، ووضع أمني وعسكري قلق ومتوتر ينذر بتحديات أكبر وأوسع، ارتأت قرية عراقية أن تنأى بنفسها عن فوضى السياسة والطائفية التي تتغلغل في جسد العراق، وشرعت في منع الحديث عن السياسة والدين وحظر الحديث عنهما في الأماكن العامة، في ظل أن السياسة والدين فتحا أبواب جهنم على العراق، بل وتخطت ذلك للالتفات إلى صحة أهلها وراحتهم من خلال منع التدخين واستخدام أبواق السيارات وإلقاء القمامة في الشوارع، وحظر المشروبات الغازية، إنها قرية البو ناهض الواقعة في محافظة الديوانية جنوب العراق.

اقرأ أيضا| حكايات| «الكرش» بوابتك نحو الملكية.. «كونسو» شعب يقدس البطون| صور وفيديو

مؤسس الفكرة
كاظم حسون أحد مشياخ قرية الشيخ ناهض، يقود الآن عملية التحول داخل القرية في ظل قوانينها غير المألوفة، مستكملا بذلك أسسا وضعها والده جبر حسون قبل أعوام، والذي يعد المؤسس الأول لتلك القوانين والنظم في القرية. ويقول حسون، إن: «الدين غير كل شي في هذا البلد، لذا أحد قوانيننا هو منع التحدث بالدين.. فالدين يجب أن يكون في قلبك، بينك وبين الله»، مضيفا أن «مشروعه حاليا هو محاولة لجعل القرية صديقة للبيئة تتبع ممارسات صحية، أكثر منها مجتمعا مغلقا ذا قوانين غريبة»، مستطردا أنه «يريد أن يصبح هذا الشارع شبيها لقطعة من أوروبا»، وذلك وفق تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية.

اقرأ أيضا| حكايات| تريد الزواج.. ستختطف زوجتك وستقاتل لتحريرها وسيُحرم عليك الأكل مع والديها.. ما القصة؟

من جانبه، أوضح فرحان حسين علي، وهو طبيب وأستاذ جامعي عراقي يعيش فس قرية الشيخ ناهض، أن والد حسون الذي كان أبرز وجهاء القرية، هو الذي شرع في سن قوانينها، وكان لا يرغب في حصول أي نقاشات في السياسة أو الدين ولذلك أقر المنع للحفاظ على السلم في مجتمعنا، لافتا إلى أن كاظم طور أفكار والده، ويشرف حاليا على محاولة جعل القرية أشبه بمكان نموذجي، يمتنع فيه الناس عما يضرهم.

نموذجا للعراق
ضرغام الزيدي مدير تحرير وكالة مدائن 24 الإخبارية، قال إن قرية قرية البو ناهض الواقعة في محافظة الديوانية جنوب العراق تكاد تكون نموذجا للعراق في أول تأسيسه من قبل السورين الأوائل الذين كانوا يقطنون تلك المناطق، مشيرا إلى أن مقومات القرية أو البلدة الآمنة متوفرة هناك، والتي تقوم على فكرة أن هناك رجل حكيم يقود ويوجه وإناس يطيعون بحكمة وثقافة، وأهم أسباب النهوض بهذا فكرة الحاجة التي هي أم كل اختراع، فحاجة العراقيين بصورة عامة إلى الهدوء والسكينة والأمان جعل من بعض القرى محاولة العودة إلى الفطرة التي فطرنا الله عليها مع بعض التفاوتات بين قرية وأخرى ومحافظة وثانية حسب الثقافات وحاجة الناس.

قوائم المنع
وأوضح الزيدي، في تصريحات خاصة لـ بوابة أخبار اليوم عبر الهاتف من العاصمة العراقية بغداد، أن هناك من منع عشيرته وقريته من الاحتفاء والاحتفال بإطلاق النار كما جرت العادة في أغلب مدن العراق وأودت بحياة الكثيرين، وهناك من منع الاقتتال على الأراضي والزرع والري، وهناك من منع «النهوة» وهي ألا تتزوج الفتاة إلا ابن عمها أو تظل بلا زواج إلى أن تموت، أو إهداء الفتيات كدية قتيل وفض نزاع كبير فيعمد الذي عليه الحق أن يهدي ابنته زوجة إلى أهل القتيل، فمنعت مثل هذه العادات من قبل بعض الشيوخ والقرى. 

 

قوانين السكينة والهدوء
أما عن قرية الشيخ ناهض، أكد الزيدي، أنه بحكمة رجالها وثقافتهم ورغم فقر القرية وعدم الاهتمام بها ومحافظة الديوانية بصورة عامة، وجد أهل هذه القرية الحل للوصول إلى السكينة والهدوء فسنوا قوانين كاملة تحميهم من الإنفلات الذي يعاني منه العراق بعد الاحتلال واهتمام الحكومات بما تنهبه، فسنوا للشارع قوانين وللمجالس قوانين مثل وضع أماكن تخصص للقمامة وأن يتبادل شباب القرية على التنظيف رغم قلة ما يحتاج إلى تنظيف، وهناك قوانين تخص فتح الجوال في ديوان الرجال «مضيف الشيخ» وعدم الانشغال به على حساب الاستماع لكلام الكبار والاعتبار منه.

اقرأ أيضا| حكايات| شعب خارق.. يتنفس تحت الماء ويعيش في أعماق البحار | صور وفيديو

وبكلمات أسف، قال الزيدي، إنه رغم أن التجربة ليست وليدة هذا العام أو ما قبله، ورغم أن الحكومات قد عرفت بهذا، اكتفت الحكومات المحلية المتعاقبة على بعض الزيارات والتصوير مع شيخ القرية أو استضافة بعض مثقفين القرية والتصوير معهم فقط للإعلام والاستهلاك الانتخابي ولم يهتموا بتطوير القرية أو جعلها انموذجا لباقي القرى وبث روح المنافسة بين القرى حين يقومون بتطوير القرية تشجيعا لأهلها وإغراءا لباقي القرى للحذو حذوهم.

 

فكرة تطوعية
الناطق السابق باسم رئيس الوزراء العراقي اللواء عبد الكريم خلف
، أكد صحة ما يتم تداوله عن القرية، لافتا إلى أنها فكرة طرحت من قبل مثقفي القرية، وتم تعميمها بواسطة «بوسترات» مكتوبة وزعت على تقاطعات القرية وفي الأماكن التي يلتقي فيها نخبة القرية من المشايخ والمثقفين والأدباء.

 

وأوضح الناطق السابق باسم رئيس الوزراء العراقي، في تصريحات خاصة لـ «بوابة أخبار اليوم» عبر الهاتف من العاصمة  بغداد، أن القرية ضخمة بعدد سكانها التي يصل عددهم إلى ٧٥٠ الف نسمة، والفكرة ليست جديدة وليست إلزامية بل تطوعية وتطورت إلى دعم مشاريع البستنة وزراعة الأشجار للحفاظ على البيئة، إضافة لعدم التدخين الطوعي والابتعاد عن الجدل العلني بين الناس في الأمور الدينية والسياسية مع قيام مثقفي القرية بإلقاء المحاضرات التي تشجع على هذا التوجه، وأصبحت الفكرة رائجة ويتم تقليدها في القرى القريبة من هذه القرية.

 

مجتمعات صحية ومنفتحة
ملامح عدة تتميز بها قرية البو ناهض، التي تسعى لتقديم مخططا لكيفية بدء العراق بإعادة بناء نفسه وإنشاء مجتمعات أكثر انفتاحا وصحة، فبعد أن وصلت نسبة البدانة من الذكور في العراق إلى 30.4%، أقدمت القرية على حظر المشروبات الغازية لكونها تحتوي على نسبة كبيرة من السكر، كما أنها عملت على تشجيع السكان على ممارسة الرياضة، لذلك قامت باستضافة مهرجان سنوي للركض يجذب آلاف المشاركين، هذا بالإضافة إلى أن الحفاظ على البيئة يحظى باهتمامٍ كبيرٍ لدى سكان القرية، حيث تحتفل القرية باليوم العالمي للبيئة في 5 يونيو من كل عام، وتقوم باطلاق مبادرات صديقة للبيئة عن طريق التشجيع على جعل الدراجات الوسيلة المفضلة للتنقل عوضا عن السيارات.

رغم كل قوائم الممنوعات التي تنتهجها البو نهاض والتي تجد تعليماتها على كثير من لافتات القرية، إلا إنه لا يوجد أي عقوبات على عدم تطبيقها، فالالتزام بتلك التعليمات داخل القرية ليس قائما على مبدأ العقوبات أو النهي الاستبدادي للحظر، بل ينبع من التزام روحي وإنساني لأن خرق القواعد قد يثير نقمة بقية سكان القرية الذين أيدوا التغييرات بحماسة.