فى بريطانيا.. التنمر الإلكترونى جريمة تنتهى بالانتحار دون عقاب

التنمر الإلكترونى
التنمر الإلكترونى

سيناريو واحد يبدو أنه صار يتكرر في كافة انحاء العالم؛ فتاة صغيرة فاجأت كل من حولها بإقدامها على الانتحار وخلال ساعات قليلة تحولت قصتها إلى نموذج واقعي وصدمة تفتح ملف التنمر الإلكتروني، لم يعلم اقرب المحيطين بها تفاصيل معركتها الإلكترونية كل يوم وكل لحظة وهى تحاول الصمود امام كم هائل من التنمر والتجاوزات الاخلاقية والصور المزيفة التي نجحت في تحطيم نفسيتها تمامًا إلى أن قررت الانتحار؛ لتنكشف تفاصيل معاركها الإلكترونية بالرغم من محاولات المسئولين إخفائها.

استمعت محكمة بارنت كورونر البريطانية إلى تفاصيل واقعة التنمر والتحريض الإلكتروني التي أودت بحياة تلميذة الصف العاشر ميا جانين، 14 عامًا،»الذكية للغاية» تبعًا لوصف مدرسيها وزملائها؛ لتكشف تفاصيل المأساة التي تعرضت لها بالتنمر المستمر ضدها وتعرضها للسخرية بشكل متكرر من قبل مجموعة من التلاميذ في المدرسة عبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، وازدادت الامور سوءًا بعد تأكيد احد التلاميذ تداول صور مفبركة للضحية، قام زملاؤها بتركيب صورها على صور غير اخلاقية باستخدام برنامج الفوتوشوب وتداولوها بينهم بتهكم وسخرية، وانتهى الامر بانتحار الضحية بعد ترك خطابين بخط يدها إلى عائلتها وأصدقائها لتكشف قرار إنهاء حياتها الذي اتخذته لشعورها بالإيذاء الدائم.

تجريم التنمر

تزامنت المحاكمات مع ظهور والد الفتاة ماريانو جانين -وهو أرجنتيني انتقل إلى بريطانيا عام 2001 مع زوجته ماريسا وابنته ميا- في مقابلة تليفزيونية مع شبكة بي بي سي؛ ليطالب بتغيير حقيقي لجعل التنمر عبر الإنترنت جريمة محددة في المملكة المتحدة بعد واقعة استهداف ابنته المأساوية على وسائل التواصل الاجتماعي مما دفعها إلى الانتحار في منزلها بشمال لندن، واكد الاب أن ابنته تلميذة في مدرسة دينية، وتعرضت الى موجات عنيفة من التنمر الإلكتروني والعنصرية من زملائها الذكور؛ حيث شنوا ضدها حملة إلكترونية لسبها ونعتها بأسوأ الأوصاف مما دفعها إلى الانتحار وهو الامر الذي وقع منذ عامين دون معاقبة التلاميذ او محاسبة المسئولين عن الحادث مؤكدًا؛ ان القانون لم يحمى ابنته، واكد الاب أن مشروع قانون السلامة عبر الإنترنت المقترح سيكون الخطوة الأولى لإحداث تغيير حقيقي للمراهقين بعد استهداف ابنته وتعرضها للتنمر العدائي من قبل زملائها الكترونيا، ولفت والد الضحية ميا الانظار نحو امر آخر وهو رقابة الآباء على حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بأبنائهم ودعا إلى منح الآباء صلاحيات تمكن الآباء من الوصول إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بأطفالهم لفهم المواقف التي مروا بها بعد وفاتهم، وأكد الاب أن ابنته كانت تطمح أن تصبح طبيبة أو مهندسة معمارية إلا انها كانت تكافح من أجل الاندماج مع الآخرين في المدرسة أو الانتقال منها دون جدوى.

تضليل الشرطة

كشف والد الضحية؛ اتخاذ المدرسة إجراءات تضلل التحقيقات حيث نظمت المدرسة الدينية المرموقة اجتماع خاص للتلاميذ المتورطين وطلبت منهم الاسراع بحذف رسائلهم من مجموعة سناب شات اثناء تحقيق الشرطة في حادث انتحارها، وقال الاب: «من المفترض إذا كان لديك تحقيق من قبل الشرطة وكان لديك هذه المجموعة الخطيرة، فيجب عليك إخطار الشرطة» ولكن حدث العكس تماما وهو ما يجعله يرغب في رؤية المسؤولين يمثلون أمام المحكمة قائلا؛ «أنا ضحية لهذا النظام الفاشل».

ننتقل إلى التحقيقات المكثفة التي كشفت محاولات ميا مواجهة ازماتها وقبل وفاتها بأيام قليلة نشرت مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تطلب فيه من اثنين من زملائها عدم الاستهزاء بها وانتقدت اسلوبهما ولكن تسبب المقطع في تلقيها عدد كبير من الانتقادات وردود الفعل العدائية في الليلة التي سبقت العثور عليها متوفاة، وطلبت المراهقة من والديها تغيير المدرسة قبل انتحارها وكشفت صديقتها تلقيها رسالة صوتية قالت فيها: «غدا سيكون يوم عصيب، آخذ أنفاسي بصعوبة وانا أقوم بإعداد نفسي للتعرض للتنمر غدا»، لم يدرك والداها مدى تأثر ابنتهما بالتنمر؛ ليفاجأ الاب بوفاة ابنته ودفنها وبعد أربعة أشهر فقط من وفاتها، توفيت والدتها ماريسا بسبب حزنها الشديد الذي اضعفها في مواجهة مرض سرطان الدم الذي كادت تتعافى منه لولا حزنها على ابنتها.

مجرمو سناب شات

توصل التحقيق في وفاة ميا في محكمة بارنت كورونر إلى تعرضها للسخرية بوحشية في مجموعة سناب شات مكونة من 60 فتى بعد نشر مقطع فيديو على تيك توك طلبت فيه بتحد أن يتركوها وشأنها، وقضت محكمة الطب الشرعي؛ بأنها قتلت نفسها وهى لا تزال طفلة وفي طور النضوج بعد تعرضها لسلوك التنمر من بعض الطلاب الذكور، ويشير المختصون القانونيون أن التنمر عبر الإنترنت لا يعد جريمة محددة في المملكة المتحدة، وتعتمد المحاكم بدلاً من ذلك على القوانين المتعلقة بالتحرش والاتصالات الضارة لكن الامر يتطلب توضيح الحدود القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي، وحذر  الطبيب الشرعي المسئول عن القضية  في شمال لندن توني ميرفي من خطورة التنمر والتعرض لخطر الانتحار والغريب تكرار حوادث التنمر على أساس الجنس لعدم وجود الوعى الكافي داخل المدارس؛ حيث شعرت الضحية بتدني احترام الذات، ولم تكن معرضة لخطر الانتحار على الاطلاق لولا تعرضها للأذى النفسي الدائم.

اقرأ  أيضا : أضرار التنمر الإلكتروني وطرق الحد منه

;