د. طه عبد الوهاب.. خبير المقامات القرآنية:

مصر دولة التلاوة.. ومعهد الطاروطى تجربة واجبة التكرار

د. طه عبد الوهاب
د. طه عبد الوهاب

ظهر اسمه كأحد أبرز الخبراء فى علوم الأصوات والمقامات القرآنية، حيث أصبح مرجعًا فى تحليل أداء القراء، إضافة إلى كونه أحد المحكمين الدوليين والمدربين المعتمدين فى تلاوة القرآن الكريم؛ إنه د. طه عبد الوهاب، خبير الأصوات والمقامات القرآنية، الذى أكد أنه من نعم الله وفضله على مصر أنه جعلها دولة التلاوة القرآنية، وقيل إن القرآن نزل فى مكة والمدينة وقُرئ فى مصر، فهى بلد التلاوات وبلد القراء؛ ولدينا مدارس للقرآن الكريم لم تؤثر فقط على الأصوات ولكن أثرت على الموسيقى؛ ونجد أن (إيغيروبوريس) الذى أتى إلى مصر عام 170هـ واستمع إلى تلاوات القراء المصريين اقتبس هذا النغم وصدّره إلى أوروبا، وبعد ذلك عام 350هـ أتى إلينا العالم الكبير محمد أبو النصر لاظوغل الفارابى ومكث بمصر ليستمع إلى قرائها، ثم عاد إلى بلده وألّف كتابين يعدّان مرجعًا مهمًّا لأى كلية موسيقية بالعالم، وهما: كتاب (الإيقاعات)، وكتاب (الموسيقى الكبير).

تأثير ثقافى

ويوضح د. طه عبد الوهاب أن القراء المصريين قد أثروا منذ القدم على الثقافة والموسيقى، والموسيقى الألمانى العالمى (شومان هاكت)، (1800م) قال جملته الشهيرة: «لكى تتعرف على ثقافة شعب استمع إلى موسيقاه»، فأصل الموسيقى مأخوذ من المدارس القرآنية، والدليل على هذا أن أبا الموسيقى الشيخ عثمان حسن وكان محفظًا للقرآن فى مسجد السلطان أبو العلا أنجب ولدًا عام (1845م) اسمه محمد محمد عثمان وهو الذى ألّف الأدوار والموشحات التى تُدرّس فى الكليات ومعهد الموسيقى. وإذا كانت ثقافة الشعوب تُعرف بالموسيقى فحينما يأتى إلى مصر ضيف نُسمعه موسيقى النشيد الوطنى الذى ألّفه رجل من أهل القرآن وهو الشيخ سيد درويش؛ وكذلك لو نظرنا إلى الغناء فسنجد أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قد تعلم من الشيخ محمد رفعت والشيخ على محمود، وهذا واضح جدًا فى أسلوب ألحانه؛ وكذلك تعلمت أم كلثوم من الشيخ أبو العلا محمد؛ إذن أهل القرآن هم الذين أثروا على الموسيقى وليس العكس، وكان الموسيقار محمد عبد الوهاب يقول للشيخ مصطفى إسماعيل كلمته المشهورة: «طول ما أنتم بتقرأوا إحنا بنلحّن»، ومعنى هذا أنه كان يقتبس النغم من أهل القرآن.

مدارس قرآنية

ويشير خبير المقامات إلى أن الشيخ أحمد ندا (1845م) الذى أسس مدرسة تُسمى (الخشوع) وخرج من هذه العباءة اثنان من العمالقة: الشيخ على محمود، منشد المنشدين والقارئ المتميز (1878م)، وصوت السماء الشيخ محمد رفعت (1884م)؛ ثم بعد ذلك ظهرت مدرسة (التصوير النغمى)، بمعنى أن يجعل القارئ المستمع كأنه يرى لوحة مرسومة ويفهم معنى الآيات حتى لو لم يكن يفهم اللغة العربية، وأسسها الشيخ منصور بدّار(1850م)، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعى (1890م)، والشيخ محمد سلامة فى العام نفسه؛ وهذه المدرسة أنتجت العديد من المبدعين، منهم الشيخ طه الفشنى (1900م)، والعملاق الشيخ مصطفى إسماعيل (1905م) الذى ظهر ببراعة غير عادية؛ لأنه جمع هذين الأسلوبين معًا: الخشوع والتصوير النغمى فى مدرسة واحدة أثرت على الأجيال التى أتت بعده، حتى فى الدول الخارجية، وحين أذهب إلى التحكيم الدولى بأى دولة بالعالم أجد كل المتسابقين يعودون بقراءتهم إلى مدرسة من هذه المدارس المصرية؛ إما إلى المدرسة القديمة أمثال: الشيخ مصطفى إسماعيل، أو الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أو الشيخ محمود خليل الحصرى، رائد مدرسة الإتقان؛ أو إلى المدارس الحديثة، أمثال: الشيخ محمد أحمد شبيب، أو الشيخ الشحات محمد أنور، أو الشيخ الطبيب أحمد نعينع، أو الشيخ الدكتور عبد الفتاح الطاروطي.

وأوضح د. طه عبد الوهاب أن هذه المدارس لم تعد الآن بالشهرة نفسها لاختفاء الكتّاب الذى كان يضم كل العلوم من القراءة والكتابة إلى اللغة إلى التجويد والوقف والابتداء إلى الصوت والنغم والمقامات؛ ولكن هناك بصيصًا من الأمل لإعادة بريق المقارئ يقوم به د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الذى يبذل جهدًا كبيرًا لإقامة المقارئ وتسجيل القرآن مرتلًا بالقراءات بأصوات كبار الكبار على الهواء مباشرة، وهذا الدور بدأ يسهم فى تنشيط دولة التلاوة. وفى معظم الدول التى زرتها للتحكيم أو للتدريب على المقامات وجدت اهتمامًا غير عادى لإنشاء جيلٍ من القراء، حتى إنهم يهتمون بتدريب المدرسين، وهذا مؤشر أن هناك منافسين لنا فى باقى الدول الإسلامية يجتهدون ليزاحمونا فى المراكز المتقدمة بالمسابقات، وهنا علينا أن نقف لنسترد مكاننا الرائد، وهذا ما يسعى إليه وزير الأوقاف.

معهد الطاروطى

ويضيف د. طه أنه توجد تجربة ناجحة فى معهد الطاروطى لتدريب ورعاية القراء وإعدادهم إعدادًا جيدًا لوجه الله وخدمة لكتاب الله، وهو ما بدأ يؤتى ثماره حيث نلاحظ أن القراء الذين تم اعتمادهم مؤخرًا بالإذاعة قد تخرجوا فى هذا المعهد وهو ما يجب أن يتكرر فى باقى المحافظات؛ ولا أنسى الجهد الذى يقوم به نقيب القراء وشيخ عموم المقارئ الشيخ محمد حشاد وأعضاء نقابة القراء لضبط أداء القراء ومنع أى انفلات، وهذا دورهم لأن مصر حملت على عاتقها حفظ القرآن؛ ولا ننسى دور الشيخ الحصرى فى حفظ القرآن صوتًا حين كان أول من سجل القرآن مرتلًا بالإذاعة عام 1965م، واشترك فى لجنة مع الشيخ الضبّاع والشيخ القاضى لمتابعة المتقدمين، وبعدها انتشر تسجيل القرآن فى كل الدول الإسلامية.