المجلات الثقافية مرآة لمجتمعاتها

صورة موضوعية
صورة موضوعية

احتفلت مجلة «نزوى» العمانية -التى يرأس تحريرها الشاعر سيف الرحبي- مؤخرًا بمرور ثلاثين عامًا على صدورها، فى ندوة بعنوان «نزوى: ثلاثون عامًا من الإنجاز»، شارك فيها عدد من المفكرين والكتاب والمثقفين العرب والأجانب، وتنوعت فعالياتها بين جلسات مخصصة للمجلة نفسها، وما قدمته على مدار ثلاثة عقود، وما اتسمت به وسعت إليه منذ تأسيسها وحتى اللحظة الراهنة، وبين نقاشات حول المجلات الثقافية ودورها الحضارى.

وقد كانت مشاركتى فى هذه الاحتفالية فرصة للتدبر فى تاريخ المجلات الثقافية العربية عمومًا، والمصرية خصوصًا. فالمجلات الثقافية تصلح كمدخل ملائم جدًا لحكى تاريخ ثقافة ما. فهي أقرب إلى مرآة تعكس حالة المشهد الثقافى الذى تصدر فيه، وإن نجحنا فى الإحاطة بأكبر عدد ممكن من المجلات فى مشهد ما، سنتمكن من فهم ما مر به من تغيرات وتحولات، وما خاضه المثقفون المنتمون له من صراعات كبيرة وصغيرة، وما شغلهم من قضايا فنية وجمالية أو سياسية وعامة. سنتمكن أيضًا من رسم صورة أقرب للدقة لعلاقة المثقف بالسلطة وما تمر به من مد وجزر، خاصة أن كثيرًا من المجلات الثقافية فى عالمنا العربي ذات علاقة ما بالمؤسسة الرسمية، وحتى لو كانت مستقلة، فقد أسسها مؤسسوها ردًا على المؤسسة الرسمية أو تفاعلًا معها بشكل أو بآخر، ولو عن طريق الرفض والاعتراض.

اقرأ أيضاً | «سيزا قاسم» السيدة الحديدية علما وإنجازا وكمالا

من شأن دراسة أسباب استمرار المجلات الثقافية أو توقفها أن تخبرنا بالكثير عن مجتمعها ومدى اهتمامه بالثقافة من عدمه، وعن طبيعة هذه المجلة أو تلك. إذ لا يجب نسيان أن السبب الأساسي لتوقف مجلة ما هو غياب مبرر وجودها. معظم المجلات الثقافية تتأسس فى لحظة تاريخية وثقافة معينة لتلبية حاجة ملحة وسد نقص فى مشهدها الثقافى. مع الوقت قد تشيخ وتصبح خارج اللحظة الراهنة، وتغيب حتى لو واصلت الصدور لأنها فقدت صلتها بعصرها، أو لأنها جاءت لتلبية هذا النقص أو ذاك فى لحظة بعينها، ولم تستطع مواكبة التغييرات الحادثة حولها، أو عجزت عن فهم ظروف نشأتها وأسباب الحاجة إليها فى زمن ما، ثم الانفضاض عنها فى زمن آخر.

وهنا، من المهم جدا التمييز بين أنواع المجلات الأدبية وأسباب صدورها، كى نفهم ما الذى قد يدفع إحداها إلى الاستمرار والتطور، فى حين يعجز غيرها عن هذا. إذ ثمة نوع ينشأ تعبيرًا عن مدرسة أو جماعة أدبية معينة، فيصبح أقرب إلى مانفيستو جمالى وفكرى، ومن ثم من الطبيعى أن يتوقف، حين تأفل هذه الجماعة أو ينفرط عقد مؤسسيها. ونوع ينشأ مدعومًا من توجه فكرى أو سياسي ما، وحين يختفى هذا التوجه، يتوقف الدعم، فتتوقف المجلات المدعومة منه.

وثمة نوع ثالث يصدر تلبية لحراك ثقافى حيوى معاصر له، فيصبح أشبه بمرآة تعكس الحراك الموجود وتساهم فى إثرائه. إن استحال هذا الحراك إلى حالة من الركود والموات، سينعكس هذا عليه، فينحو صوب الأفول والانهيار.

فمثلما تثرى المجلات الثقافية الفاعلة والمؤثرة المشهد الأدبي الذى تصدر فيه، وترفده بالأصوات الجديدة والأفكار غير التقليدية وتمثل جسرًا واصلًا بينه وبين الثقافات الأخرى، يؤثر عليها هذا المشهد الأدبى بالمثل مضفيًا عليها الحيوية والانتعاش إن كان حيويًا متنوعًا، أو الركود والتقليدية إن مال نحو الخمول والتقليد.