خواطر الإمام الشعراوي .. منهج الله فى الزواج

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول  الآية 221 من سورة البقرة بقوله.. ثم يقول الحق: «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» وهذا هو النظير فى الخطاب وهو ليس متقابلا فهو لم يخاطب المؤمنات ألا ينكحن المشركين، إنما قال «وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ» وتلك دقة فى الأداء هنا؛ لأن الرجل له الولاية فى أن يُنْكح، فيأمره بقوله: لا تُنكح، لكن المرأة ليس لها ولاية أن تُنكح نفسها.

فنحن نعرف القاعدة الشرعية التى تقول: «لا نكاح إلا بولى»، وهو لم يوجه حديثه للنساء؛ لأن المرأة تتحكم فيها عاطفتها لكن وليها ينظر للأمر من مجموعة زوايا أخرى تحكم الموقف.

صحيح أننا نستأذن الفتاة البكر كى نضمن أن عاطفتها ليست مصدودة عن هذا الزواج، لكن الأب أو ولى الأمر الرجل يقيس المسائل بمقاييس أخرى، فلو تركنا للفتاة مقياسها لتهدم الزواج بمجرد هدوء العاطفة، وساعة تأتى المقاييس العقلية الأخرى فلن تجد ذلك الزواج مناسبًا لها فتفشل الحياة الزوجية.

لذلك يطالبنا الإسلام أن نستشير المرأة، كى لا نأتيها بواحد تكرهه، ولكن الذى يزوجها إلى ذلك الرجل هو وليها؛ لأن له المقاييس العقلية والاجتماعية والخلقية التى قد لا تنظر إليها الفتاة؛ فقد يبهرها فى الشاب قوامه وحسن شكله وجاذبية حديثه، لكن عندما تدخل المسألة فى حركة الحياة ودوامتها قد تجده إنسانًا غير جدير بها.

ولكى تكون المسألة مزيجًا من عاطفة بنت، وعقل أب، وخبرة أم، كان لابد من استشارة الفتاة، وأن يستنير الأب برأى الأم، ثم يقول الأب رأيه أخيرًا، وكل زواج يأتى بهذا الأسلوب فهو زواج يحالفه التوفيق، لأن المعايير كلها مشتركة، لا يوجد معيار قد اختل؛ فالأب بنى حكما على أساس موافقة الابنة، أما إذا رفضت الفتاة وكانت معايير الأب صحيحة، لكن الابنة ليس لها تقبل لهذا الرجل؛ لذلك فلا يصح أن يتم هذا الزواج.

وكثير من الزيجات قد فشلت لأننا لم نجد من يطبق منهج الله فى الدخول إلى الزواج. وحين لا يطبقون منهج الله فى الدخول إلى الزواج ثم يُقَابَلون بالفشل فهم يصرخون منادين قواعد الإسلام لتنقذهم. ونقول لهم: وهل دخلتم الزواج على دين الله؟ إنكم ما دمتم قد دخلتم الزواج بآرائكم المعزولة عن منهج الله فلتحلوا المسألة بآرائكم. فالدين ليس مسئولا إلا عمن يدخل بمقاييسه، لكن أن تدخل على الزواج بغير مقاييس الله ثم تريد من الله أو من القائمين على أمر الله أن يحلوا لك المشاكل فذلك ظلم منك لنفسك وللقائمين على أمر الله. وإن لم تحدث مثل هذه المشكلات لكنا قد اتهمنا منهج الله.

ولقلنا: قد تركنا منهج الله وسعدنا فى حياتنا. ولذلك كان لابد أن تقع المشكلات. إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ» هذه قضية لها سبب، لكن العبرة فيها بعموم موضوعها لا بخصوص سببها، لقد كان السبب فيها هو ما روى أنه كان هناك صحابى اسمه مرثد بن أبى مرثد الغنوى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين.

وكان يهوى امرأة فى الجاهلية اسمها (عناق) وكانت تحبه، وساعة رأته أرادت أن تخلو به فقال لها: ويحك إن الإسلام قد حال بيننا، فقالت له: تزوجني، فقال لها: أتزوجك لكن بعد أن أستأمر وأستأذن النبى صلى الله عليه وسلم، فلما استأمره نزل قوله تعالى: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ».

وقيل إن قوله تعالى: «وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» نزلت فى خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان، فقال لها حذيفة: يا خنساء قد ذكرت فى الملأ الأعلى مع سوادك ودمامتك وأنزل الله ذكرك فى كتابه، فأعتقها حذيفة وتزوجها.