أحمد فضل شبلول .. عُرسُ الحِصن مسرحية شعرية تاريخية

صورة موضوعية
صورة موضوعية

المشهد الأول
(فى حصنِ أحد أمراء الحملة الصليبية فى القدس، أثناء الاستعداد لزواج ابنته):
الأمُّ (لابنتها العروس مع قبلة على جبينها): ألف مباركْ .. ألف مباركْ
العالمُ يشهدُ بجمالِكْ
وجمالِ قوامِكْ
العروس: شكرًا .. شكرًا يا أمّى.
الأب (أمير الحصن مع قبلة على جبين العروس): ألف مباركْ.. ألف مباركْ
يا أجمل أزهارِ العمرْ
يا مَنْ يخرجُ من عينيها السحرْ
العروسُ (بكسوفٍ وخجل): يُخجلُنى هذا الإطراءْ
   أتوارَى خلفَ الأصداءْ
الأم: هذا ليسَ بإطْراءٍ.. 

اقرأ أيضاً | محمد عبدالنبي.. جلسة تنويم

 أو أصداءْ
أنتِ الليلةَ أكثر إشراقًا
أكثر أضواءْ
(تلتفتُ الأمُّ إلى زوجِها ويظهرُ عليها التردِّد): لكنْ .. لكنْ قلبى يتوجسُ خِيفةْ
الأب (بتعجب): خيفةْ .. مِمَّن تَخشَيْنَ؟ وكيف تخافِين؟
الأم: أخشَى .. أخشَى جيشَ صلاح الدين.
الأب (يضحكُ عاليًا بسخرية): مَن .. جيشُ صلاح الدين؟
يا امرأةً ما هذا العبثُ 
وهذا الخوفُ وهذا اللينْ
أكره كلَّ جبانٍ شكَّاءٍ وحزينْ
الأم: أدرى أدرى.. نحنُ الأقوى .. 
نحن الأعلى..
نحنُ الأشجعُ والأقدرُ والأغنى
الأب: ها قد قلتِ الحقَّ .. 
وقلتِ الصدقَ
العروس (لأمها): يا أمى فلماذا تَخْشَيْن؟
الأم (تحتضن ابنتها): قلبى يأكلنى ..
 وسمعتُ بأنَّ صلاح الدين
ينوى أن يرمى الحصنَ.. 
 بمجانيقَ.. و..
الأب (مقاطعا): لا.. تعطى أذنَكِ لإشاعاتٍ وسخافاتٍ
  فأنا خيلى يسبقنى
سيفى ينصرُنى
ما أجملَ هذا السيفْ
وهو يعانقُ دَمَهم
أو حتَّى فى الغِمْد
يُبرق تحت شعاعِ الشمس
ما أشجع أجناد الحصن
وهمو فى ثوبِ الفَهْد
العروس (وهى تكاد تبكى): لا .. لا ..
أتريدانِ لعُرْسى أن يصبحَ
عُرسًا للدم؟
الأب: لو جاء هجومٌ ليلةَ عُرسكِ من أعدائى.. 
سأردُّ الصاعَ بعشرةْ
أمحوهم من فوقِ الأرضِ وتحتِ البحر
وأفتِّتهم لحمًا.. لحمَا
أطْحنُهم عَظمًا.. عظمَا
العروس: والعُرس؟
الأب: ليسَ مهم
الأم: والحفلْ؟
الأب: ليسَ أهم
الأمُّ لنفسِها: لا بدَّ من الحلِّ
 حتى ننعمَ بالعُرسِ وبالحفلِ
المشهد الثانى
(أمام بوابة معسكر صلاح الدين الأيوبى بالقرب من الحصن.
خدمٌ وعبيدٌ يحملون على الأكتاف والرؤوس آنياتٍ كبيرة وأطباقًا كثيرة مغطاة يتقدمهم جندى يحمل راية بيضاء).
الجندى (بغطرسة وكبرياء لكبير الحراس): يا هذا..
إنى أطلبُ رؤيةَ قائدكم.
كبير الحرَّاس: ولماذا؟
الجندى: مولاتى تُرسلنى فى أمرٍ هام
كبير الحرَّاس (فى استغراب): مولاتُك..؟ 
  أين القائدُ مولاك؟
  هل عادَ إلى مولاه؟
الجندى: لا لم يحدث شىءٌ من هذا.. يا هذا
كبير الحراس: أمريضٌ هوَ.. أو
الجندى (مقاطعا): يا هذا ..
قائدُنا ينعمُ بالصحةِ والقوة
قائدُنا أقوى من كلِّ قوي
كبير الحراس (بعتاب): الأقوى من كل قوى ليس سواه
الجندى: تعنى مَن؟
كبير الحراس: الله.. ليس سواه
الجندى (فى ضيق وتكبُّر): هيَّا.. هيَّا يا هذا..
أبلغْ مولاكَ صلاح الدين 
أنى أنتظرُ لقاهْ
كبير الحراس: أرنى ماذا تحملُ فى الآنيةِ وفى الأطباق؟
الجندي: لا شأنٌ لك
كبير الحراس: بل هو شأنى.. 
هذا عملى
الجندى (بأنفة): إنى أحملُ حلوى
كبير الحراس (بتعجب): حلوى؟
الجندى: فى الآنيةِ الأخرى كعكٌ
 ومن الموسمِ فاكهةٌ
كبير الحراس (باستنكار): هل تتهكمُ يا جندى علينا؟
 هل تأتى بالكعكِ وبالحلوى والفاكهةِ.. 
لقائدنا..
 هل هى حلوى الحربِ وكعك الدمّ
 أظننتمْ أنْ حققتمْ نصرًا.. وكسبتم؟
 وتقومونَ الآن بتوزيعِ الحلوى
 ما زالت جولاتٌ أخرى بين الخصمين
الجندى: أنتَ تحدثتَ كثيرًا يا هذا
 فيما لا يعنيك
 وأنا لا وقتَ لدىْ
 هيَّا أخبرْ مولاك.. 
أنى أنتظرُ لقاءهْ
كبير الحراس: أتذوَّقُ شيئًا من حلواكَ وكعكَ
  قبل دخولِكَ يا جندىّ
  لا نأمنُ جانِبَكم أبدا
الجندى (فى تبرم): خُذْ واطْفَحْ 
كبير الحراس (يتذوق قطعة من الحلوى): جيدةٌ.. حلوة
(يتذوق قطعة كعك): ما أجمله من كعكٍ .. 
فهو لذيذٌ حقّا
الجندى: أتريد من الفاكهة كذلك؟
كبير الحراس: نعرفُها.. نأكلُها مِنْ زرعِ أراضينا
    من نبتِ فلسطين
الجندى: لا تتلكأ.. أخبرْ مولاك ودعنى أدخل والغلمان معى
   ليس لدينا وقت.
المشهد الثالث
داخل خيمة صلاح الدين
(يجلس صلاح الدين على أريكة متواضعة وعلى يمينه ويساره عددٌ قليل من قواده وجنوده)
كبير الحراس (بعد دخوله الحرَّاس): جندى من أجنادِ الحصنِ يريدُ لقاءَ القائد
صلاح الدين: دعْهُ يدخل.. 
كبير الحرَّاس: ليس بمفردِهِ
صلاح الدين: مَنْ يتبعُهُ؟
كبير الحراس: خدمٌ وعبيدٌ كثرٌ
  يحملُ كلٌّ منهم أطباقًا وأوانى
صلاح الدين (مندهشا): أطباقٌ وأوانى؟
   ماذا فيها؟
كبير الحراس: حلوى.. فاكهةٌ.. كعكٌ
صلاح الدين: هل هى خُدعة؟
كبير الحراس: ليست خُدعة
  عاينتُ الأمرَ بنفسى
  وتذوقتُ الحلوى
صلاح الدين (ضاحكا): أتَذُوقُ الحلوى قبلى؟
كبير الحراس (مبتسما): نحنُ أمام عدوٍّ شرسٍ ومُخَادع
   قلتُ أعاينُها
   وأجرِّبُها قبل مليكى
صلاح الدين (متسائلا): والحلوى حُلوة؟
كبير الحراس: حُلْوةْ.. 
ولذيذةْ
صلاح الدين: فليدخلْ هذا الجندىّ
  كى نعرفَ أمرَهْ
  أو نكشفَ سرَّه
(كبير الحراس يخرج ليأتى بالجندى.. ويبدو صلاح الدين مُفكرًا ومتأملا ومُندهشًا)
الجندى (يدخل الخيمة فى صحبة كبير الحراس): سلامٌ على قائدِ العربْ
صلاح الدين: عليكَ سلامُ الرَّحيم
الجندى: جئتُ إليكم بهدايا من مولاتى
صلاح الدين (مندهشًا): مِن مولاتِك؟
الجندي: مولاتى..
 تُهديكَ تحياتٍ
 وسلاماتْ
صلاح الدين: ولماذا.. أين القائدُ.. 
قائدُكم أرناط؟
الجندى: عرسُ أميرتِنا الصُّغرَى عصرَ اليوم
صلاح الدين (متسائلا): جئتَ لدعوتِنا.. 
أم جئتَ لحربٍ وإغارة؟
الجندى: مولاتى تهديكمْ كعكًا.. حلْوَى 
  فاكهةً طازجةً.. وإشارة
صلاح الدين (مُفكرا.. متأملا): فهمتُ رسالتَها.. 
وإشارَتَها
  أخبرْها بتهانينا.. وأمانينا 
  وسنوقفُ أى هجومٍ وقِتَالْ
  سنؤجل كلَّ دفاعٍ ونضالْ
  حتى لا يصبح عرسًا للدم
صلاح الدين (مفكرا وبعد لحظة يضيف): ولمدة أسبوع
الجندى (فى بهجة): شكرًا.. شكرًا يا قائد
  لا أنبل من هذا الموقف
صلاح الدين (مشيرًا بسبابته): أخبرْ قائدَكمْ بقرارى
الجندى (معجبٌ برد صلاح الدين): أى سلامٍ هذا
      أى سلام؟
صلاح الدين: الإسلامْ.. 
دينُ سلامٍ وأمانْ
(وبلهجة قوية مهدِّدة): لكن إن فكَّرَ قائدُكم فى خَرْقِ الهدنة
  سيكون الردُّ الشاملُ والقاسى
الجندى: هل تسمحُ لى بالعودة ثانيةً يا قائد
صلاح الدين: ولماذا؟
الجندى: كى أتعلَّم شيئًا فى مدرسةِ الإسلام
صلاح الدين (مبتسما): أهلا بكَ وقْتَ تشاء
فالإسلامْ..
دينُ سلامْ
ويرحِّبُ.. 
بجميعِ الفُرقاءْ
كى يتحدوا..
ويصيروا حكماء
جميع جنود صلاح الدين: الإسلامْ
دينُ سلام
ويرحِّبُ.. 
بجميعِ الفرقاءْ
كى يتحدوا..
ويصيروا حكماء.