«ضد مجهول» قصة قصيرة للكاتبة إلهام قربوص

الكاتبة إلهام قربوص
الكاتبة إلهام قربوص

هى أرض بكر لم يطأ طينتها كائن حى، ولم تبدر فيها بذور الحياة.

صامدة بطول سنوات عمرها الطوال ..كنخلة سامقة عتيقة يستند على صلابتها الضعفاء، ويأوى إلى خيرها المحتاجون؛ فتسقط العطايا رطبا شهيا... بسيرتها تبعث الأنداء فى نفوس الحالمين بالمودة والرحمة والذرية الصالحة.

هى" فاطمة " ابنة مولانا شيخ المسجد.. طاغية الأنوثة والتى باءت كل محاولات الارتباط بالفشل رغم تقدم الكثيرون لخطبتها؛ لترصد ذلك العربيد الذى عشقها بجنون تقدم لخطبتها عدة مرات وكل مرة يقابل بالرفض.. فوصل به الأمر أن يهدد أباها فرد عليه:"كيف تجتمع الضلالة والهداية تحت سقف واحد؟ لا يجوز طالما لى عمر فى هذه الحياة؟"

ومضت الأيام وفى فجر أحدها استيقظ أهل القرية على صراخ وعويل الذاهبين إلى المسجد للصلاة قُتل الإمام وهو ذاهب ليؤم الناس فى صلاة الفجر.

ماتت الحياة فى قلب "فاطمة، سخطت على جمالها واستشعرت أنه المتسبب فى حرمانها وإخوتها من أب صالح تفيض حكمته على الجميع ويتدثرون بحنانه من قسوة الأيام.

اسودت الدنيا أمام ناظريها كل ما صار يرعبها نظرات إخوتها ودموع أمها  تمزق فى أعضائها حملت ذنب موت أبيها على كأهلها، وفى إحدى الليالي الشاتية بعدما أسدل الليل أستاره السوداء وغطى الصقيع الحقول، ونشطت خفافيش الظلام تسللت "فاطمة" كريشة فى الهواء من الباب الخلفى لمنزلهم المؤدى إلى طريق ضيق تحيط به الزراعات يوصل بنهايته إلى شاطىء النهر.

مضت فى ذلك الطريق لم تخش الأشباح  ولا القصص الخرافية بأساطيرها المرعبة، ومضت تتأبط بين ذراعيها لفافة سوداء يرهقها حملها خُيًل للخفير النظامى الجالس مكان خدمته تحت مجموعة من الأشجار الكثيفة أن شبحا من الأشباح مرً أمامه، ارتجف .. لكن سرعان ما انتبه لكونها إمرأة بعدما صوًب ضوء البطارية عليها.

لكن من هي، وإلى أين تمضى فى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟

علها عاهرة تمضى لعاهر يشبهها مستترة بالظلام.

مسرعا أطفأ ضوء البطارية، وتتبع خطواتها..إنها تتجه صوب "خُص" العربيد القاطن على شاطىء النيل والذى يضيئه بالأخشاب المشتعلة طوال الليل.

اختبىء "الخير"خلف كومة ضخمة من القش ليتابع المشهد المثير من بعيد..وقفت "فاطمة "على بُعد خطوات ترتجف يداها وهى تفك اللفافة وإذ بها فأس من الحديد الصلب دخلت مسرعة وسددت له عدة ضربات متوالية مميتة خدمتها الظروف بحالة السُّكر التى كان عليها هذا العربيد أنهت حياة النائم فى الضلال والهوى، وبقلب كالجرانيت انحدرت نحو النيل وألقت بالفأس بعيدا فى العميق وغسلت اللفافة السوداء ووجهها مرددة "ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب"

هُنا تقدم نحوها "الخفير"وهدىء من روعها واصطحبها إلى بيتها واطمأن بدخولها سالمة وعاد إلى أدراجه ليسلم لزميله الخدمة صباحا، وبعد اكتشاف الجريمة وبعد  البحث والتحقيق لم يُستدل على الجانى قُيدت ضد مجهول.