«زينب امرأة شريفة» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

الكاتب علاء عبدالعظيم
الكاتب علاء عبدالعظيم

زينب فتاة جميلة.. بديعة القوام.. حلوة القسمات.. عذبة الصوت.. لا عيب فيها في نظرك سوى أنها خادمة!

كانت زينب تستيقظ في الساعة السادسة صباحا كل يوم، وتظل تعمل عملا متواصلا مرهقا طوال النهار حتى يأتي المساء فتسترخي في فراشها على الأرض وتنام كالجثة الهامدة.

وليست حياة زينب مقصورة على العمل فحسب بل يتخللها مضايقات، وعقبات تحاول أن تتغلب عليها كل يوم، فجمالها وحلاوتها يجعلانها عرضة لطمع الرجال، وقد أدركت هي هذه الحقيقة منذ اللحظة التي بدأت تعمل فيها كخادمة، واكتشفت بعد أن ترددت على أكثر من بيت أن كل الرجال وبلا استثناء يريدونها ويظنون أنها سهلة المنال لمجرد أنها خادمة!

 

ووجدت أن عليها أن تختار بين البقاء في العمل، وهي تحتاج إليه حتى تستطيع أن تعيش، وبين الطرد من البيوت، وحياة التسول في الطرقات وما قد تؤدي إليه من سقوط في هاوية بشعة من الدعارة.

 

فما كان منها إلا أن تقابل غزل الرجال في البيوت التي تعمل فيها بلطف، وتصدهم في رقة، ولا تثور في وجوههم ولا تستسلم لهم في نفس الوقت.

 

وكانت في نهاية الأسبوع، يوم عطلتها، تخرج مع خطيبها الأسطى إبراهيم الحلاق، فيأخذها إلى حديقة الحيوان، وكان إبراهيم يؤجل الزواج دائما لأنه فقير، ويكسب قروشا معدودة يضيع أغلبها في طعامه، وفي الدخان الذي لا يستطيع أن يتخلص منه، لكنها كانت تشجعه وتنتظر على مر الشهور والايام في صبر وايمان، بأنه في يوم من الأيام سيتزوجها ويصبح له دكانه الخاص.

 

لم تقص زينب على الأسطى إبراهيم ما يحدث لها في البيت الذي تعمل فيه حيث كان الرجل زوج الهانم يغازلها، ويحاول أن يمد يده إليها خلسة وهي تقدم لها المنشفة، ولم ترو له كيف أن الابن الأكبر يتسلل إليها وهي نائمة في الليل، يريد أن يقبلها أو أن يغريها بالزواج كي تستسلم له.

 

وفي إحدى المرات ركبت زينب مع الأسطى إبراهيم قاربا في النيل، وما إن أخرج الأسطى إبراهيم سيجارة يدخنها، اقتربت منه ومدت يدها إلى السيجارة في فمه وأخذتها منه وارتشفت منها نفسا ثم أعادتها إليه.

 

جلس إبراهيم يتأملها في صمت وسكون، وعاد بها إلى الشاطئ، فلما سألته عن سبب صمته، ثار في وجهها واتهمها بأنها مستهترة وساقطة تدخن السجائر، ودهشت زينب لثورته وفزعت منها، وانهمرت في البكاء، لكنه أعلنها بأنه قد فسخ خطبته منها، وأدار ظهره لها ومضى وحده في الطريق.

 

عادت زينب إلى البيت منهارة تلاحقها المناوشات من الأب والابن من جديد، وأحست بانهيار وضعف جعلاها توشك أن تستسلم، حيث الابن يحاول أن يظفر بها في جنح الظلام، لكنها انتفضت وهددته بالصياح، والصراخ، فعاد الشاب متخاذلا إلى غرفته.

 

وفي تلك الليلة بللت زينب فراشها بالدموع، وكلمات الأسطى إبراهيم مازالت ترن في أذنها بأنها ساقطة مستهترة، وظلت ساهرة، ولم يداعب النوم جفونها حتى تذكرت أن ما فعله إبراهيم هو غضب مؤقت، وأنه حتما سيعود إليها لأنه يحبها.. وسيتزوجها، وسيدرك أنها مازالت عذراء شريفة!