قبل بداية العام| الادعاء بمعرفة الغيب والطالع من الكبائر

الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر

قال تعالى: (قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون).. مع نهاية العام الميلادى وبدء عام جديد يهتم البعض بمعرفة الغيب والأحداث القادمة فى حياتهم من خلال قراءة الطالع والفنجان وضرب الحظ والأبراج وغيرها من الوسائل، التى شجعتهم عليها بعض الفضائيات باستضافة العرافين ومدعى الكهانة وقراء النجوم والأفلاك.. فما حكم من يحرص ويهتم بمعرفة حظه ومستقبله على سبيل التصديق واليقين أو على سبيل المزاح والتسلية؟ 

عن ذلك يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: المؤمن الحق المسلم الصدق يؤمن إيمانا جازما بأن الله تعالى بيده كل شيء قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم)، ويعلم أن الأمور تجرى بقدر الله قال تعالى: (وكان أمر الله قدرا مقدورا)، وأيضا: (كان ذلك فى الكتاب مسطورا).

ويضيف: دين الإسلام ليس فيه ما يسمى بالطالع والحظ وضرب الودع إلى آخر هذه الخرافات التى حذر منها النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «من ذهب إلى كاهن أو عراف فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»، ومعلوم فى المأثور أنه «كذب المنجمون ولو صدفوا». 

ويؤكد أن من يدعون العلم بالغيب وصادف ما قالوا أو ادعوا فهو من قبيل المصادفة فهؤلاء فى الواقع كذابون؛ لأن علم الغيب مرده إلى الله وحده (عالم الغيب والشهادة)، والواجب على المسلم أن يأخذ بالأسباب المشروعة، ولا يركن إلى من يدعون معرفة البخت والحظ، ولا يقلد غير المسلمين، فمقتضيات الإيمان توجب الإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، لذا أهيب بالعقلاء الأسوياء عدم الانخداع بأقوال هؤلاء المشعوذين والدجالين، وأيضا علينا نحن المؤمنين قوة التوكل على الله تعالى واليقين بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك لأنها ترجع إلى  إرادة الله. 

وينبه كريمة إلى أنه يجب على الإعلام وخاصة بعض الفضائيات إبعاد هؤلاء الذين ينشرون ما يناقض العقيدة الإسلامية، ويكفى أن الله تعالى قال عن أكمل رسول وأصدق نبى صلى الله عليه وسلم فى القرآن: (قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء)، وها هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا بمقدار ما يعطيه الله لمصلحة الرسالة والدعوة، وفى ضوء ذلك فهذه الخرافات فى نهاية العام يجب أن يتصدى لها الدعاة والوعاظ والمؤسسات المعنية بسلامة العقيدة الإسلامية. 

ويؤكد أن من يلجأ لهؤلاء لمعرفة مستقبله وأحداثه ضعيف الإيمان وقليل الوازع الديني، فالقاعدة الفقهية تقول: ما أدى إلى حرام فهو حرام، والأسباب تأخذ حكم المقاصد، حتى لو كانت على سبيل المزاح والتسلية، فهى تؤدى إلى مخالفة شرعية ولها أثر سلبي؛ لأنها تربى الأجيال على الاتكال على الحظوظ وعدم العمل الإيجابى والأخذ بالأسباب. 

وينبه أن ذلك يؤدى أيضا لشيوع الأمراض النفسية فيصبح الإنسان متشائما مكتئبا فيضر نفسه ويضر أسرته ووطنه، فحين تقول إحدى العرافات أن عام ٢٠٢٤ سيشهد وفاة فنان  أو حاكم، يؤدى هذا إلى البلبلة والقلق والاضطراب، فأمر الموت استأثر به رب العزة قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس) ولم يعط سبحانه توقيت الموت لا لنبى ولا لولى ولا صديق، فكيف يعرف هؤلاء بأمر الموت ومعرفة الرزق أو الأموال أو المكسب والخسارة. وقد حرم الإسلام العمل بهذه المهنة والاشتغال بها ودخلها حرام من باب التدابير الاحترازية الشرعية لمعالجة الجرائم قبل وقوعها، وعد من يدعى علم الغيب جريمة من الكبائر أعاذنا الله منها، فالمسلم يرضى بأقدار الله ويأخذ بالأسباب مع التوكل على الخالق والرازق.