مفاهيم بالية| د.هالة منصور: «العزوة» مبرر قديم.. والطفل «مصدر رزق» للأسرة

د.هالة منصور - الشيخ إبراهيم رضا
د.هالة منصور - الشيخ إبراهيم رضا

اعتمدت الدولة منذ عقود على وسيلة التوعية ونشر ثقافة تنظيم الأسرة كوسيلة ذات أولوية للحد من الزيادة السكانية، وبالرغم من ذلك فإن الأعداد فى زيادة غير طبيعية، وكما أكدت بيانات مجلس الوزراء فإن 70.7% من المصريين على دراية كافية بالأزمة ويرون أن مصر تواجه بالفعل مشكلة مع الزيادة السكانية.

وهنا يأتى السؤال الأبرز لماذا لم يتخذ المواطن خطوات إيجابية تضفى ثماراً لمعاونة الدولة فى مواجهة تلك الأزمة؟

وللإجابة على هذا التساؤل تواصلنا فى البداية مع خبيرة الاجتماع د.هالة منصور، والتى أوضحت أن المواطن المصرى فى تعامله مع أزمة السكان ينقسم إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى لا تفهم المشكلة بحد ذاتها ولا حتى أبعادها، أما الفئة الثانية فهى واعية ومستوعبة حجم الأزمة لكنها لا تستطيع القدرة على التغيير بسبب عدم امتلاكها لأدوات هذا التغيير، أما الفئة الأخيرة فتعلم جيدا حجم الأزمة وتداعياتها لكنها لا تريد التغيير، وهذه الفئة لا تهتم على الإطلاق بكل ما يحدث من حولها وهى عادة السبب فى هذه الأزمة.

وتضيف د.هالة أنه قديماً كانت الأسر المصرية بالفعل متمسكة بمبدأ «العزوة» دون النظر إلى تداعيات تلك الزيادة، ولعل هذا المفهوم كان فى المناطق الريفية أكثر منها فى الحضرية، إلا أنه بالنظر لخريطة توزيع السكان وكثافات المحافظات بجانب النظر إلى نوعية الأسر والفئات ذات الأعداد الكبيرة فى عدد الأطفال، سنعلم جيدا أن الأمر لم يعد يأتى من مبدأ «العزوة» بل تحول إلى إنجاب الأطفال من أجل مساندة الأسرة فى إدرار المال، وهذا ما نراه فى الفئة البسيطة التى تعتمد على تشغيل أبنائها الذكور والإناث أيضا فهى فئة لا تهتم بما يحدث حولها فى المجتمع.

وأوضحت أن الأزمة ليست فى إنجاب هذه الفئة للأطفال بل فى نوعية المواطن الذى يصبح عليه هذا الطفل، على عكس الطبقة المتوسطة والتى بالفعل نجحت الدولة فى توعيتها وبدأ الآباء فى الاكتفاء بطفل أو اثنين مع الاهتمام بالتعليم والصحة، إلا أنه مقابل كل طفل بجودة متميزة من هذه الفئة نجد عشرات الأطفال من الطبقات الفقيرة غير المكترثة بالأمر.

وأشارت د. هالة إلى أنه يجب على كل مواطن وصاحب قرار أن يعى أن قضية الزيادة السكانية لها عدة أبعاد وهى كثافة السكان، ونوعية السكان وأيضا توزيع السكان، موضحة أن الحكومات السابقة لم تنجح فى الحد من جماح الزيادة بسبب تركيزها الدائم على بعد الكثافة فقط من خلال السعى لتقليل الإنجاب، دون الاهتمام بالتوزيع أو النوعية.

مفاهيم خاطئة

من جانبه أكد الشيخ إبراهيم رضا أحد علماء الأزهر الشريف، أن هناك عدداً من العوامل التى أدت إلى تجاهل المواطن لمخاطر الزيادة السكانية، منها المفاهيم الخاطئة التى انتشرت حول بعض أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام، فدائما ما يعتقد الكثيرون أن النبى مدح «الكثرة العددية» بل على العكس تماما فقد ذم الحبيب «الكثرة العددية غير النافعة» وهناك أحاديث صحيحة تبثت ذلك، بأنه سيأتى زمن سنكون ذوى أعداد كبيرة لكن بلا فائدة.

اوضح رضا أن هناك عاملاً آخر أدى لتفاقم أزمة الزيادة السكانية وهو الاعتماد على «مبدأ التواكل» وأن «كل طفل يأتى برزقه»، إلا أن ذلك خطأ تماما فعلى العكس أيضا هذا يصطدم مع قول النبى «اعقلها وتوكل»، وإذا طبقنا هذا الآن فنحن فى زمن أصبح بناء أسرة فيه يحتاج إلى تفكير وتأنٍ وتخطيط وليس كالسابق كما تزوج أجدادنا.

كما أن تنشئة إنسان سوىّ والاهتمام بصحته وتعليمه تعد من أطول الفترات مقارنة بأى كائن حى، فعلى الأقل بحتاج الأبوان لـ 18 عاما من أجل رعاية طفلهما من كافة الجوانب، ولذلك دائما ما نقول اترك ابنك متعلما ولا تتركه غنيا. وبشكل عام هذا ما يسمى بتفعيل فقه الواقع، فعلينا أن ننظر لظرفنا قبل اتخاذ القرار بإنجاب خمسة أو 6 أطفال.

تزكية الكثرة

أشار رضا إلى أنه من أخطر المفاهيم الخاطئة المنتشرة لدى المواطن  «تناكحوا تناسلوا»، موضحا أنه حتى إن لم تكن رواية الحديث ضعيفة فإن معناها ليس أنجبوا بكثرة، بل هى تزكية للزواج نفسه وليس تزكية لكثرة عدد الأطفال.

وفى سؤالنا للشيخ إبراهيم رضا عن سبب وصول تلك المفاهيم الخاطئة للمواطنين، أوضح أن السبب هو أولاً إسناد أمر الخطابة الدعوية إلى غير المتخصصين بالرغم من أن الدين يؤكد على «اسألوا أهل الذكر»، لأن الدين لا يتم التعامل معه على أنه ورقة سياسية، مثلما فعل البعض وأتوا بفكر عشوائى متخلف رجعى ممول من بعض الدول، إلا أن الدولة تنبهت لذلك وبدأت تحافظ على المنابر وتدعم علماء الأزهر. وتنوه دائما أن الدعوة يجب أن يتصدى لها المتخصصون.