ماذا بعد 200 يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة؟

مصر وقضية القضايا| دعم كامل للحق الفلسطيني .. دور بارز في إنهاء الأزمة .. وقيادة الجهد الإنساني

حيرة أهل غزة بين الرحيل والبقاء
حيرة أهل غزة بين الرحيل والبقاء

تعيش المنطقة خلال الفترة القليلة القادمة بعد مرور مائتى يوم على العدوان الإسرائيلى بين ماراثون سياسى ودبلوماسى واتصالات بين العديد من الدول المحورية مصر وأمريكا وقطر للتوصل إلى صفقة بالتوافق بين طرفى المواجهة إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية وفى القلب منها حماس للتوصل الى اتفاق يتضمن تفاصيل عملية تبادل الأسرى وعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم وتدفق المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بشكل كامل ودائم ووقف إطلاق النار الذى يؤدي الى تسوية سياسية وبين استعدادات الجيش الإسرائيلي التى دخلت مرحلتها الأخيرة باتجاه اقتحام مدينة رفح وهى عملية كفيلة بخلط الأوراق والرجوع إلى نقطة الصفر خاصة أنها تحظى برفض كامل من مصر والذى ظهر بشكل واضح خلال كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء الاحتفال بعيد تحرير سيناء، كما أنه لم يعد خافيا على أحد وجود تحفظات عليها من قبل واشنطن التى تطالب بتوفير ضمانات للسكان المدنيين والنازحين إليهم وتقدرهم بعض التقارير بمليون ونصف المليون فلسطينى .

ولعلنا فى هذا الملف نحاول أن نرصد شكل المواجهة والصراع من خلال أحداث مهمة شهدتها الأيام الماضية قد ترسم صورة للأشهر القادمة من خلال الكشف عن الدور المصرى من الأزمة منذ يومها الأول الذى يتميز بالثبات ودعم الحق الفلسطيني والموقف الأمريكي بعد  موافقة الرئيس بايدن على حزمة المساعدات العسكرية غير المسبوقة لإسرائيل والتي تتناقض تماما مع تصريحات وقف القتال بالإضافة الى زلزال استقالة مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية التى تفتح الطريق واسعا أمام تصدع واضح فى المستوى السياسي والعسكري الأعلى في إسرائيل ونفتح أيضا نهاية المواجهة غير المتكافئة بين دولة بقدرة إسرائيل وإمكانياتها مع منظمة مثل الأونروا وقضايا أخرى.

على مدار أكثر من 200 يوم منذ العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة، وتبذل مصر جهوداً حثيثة على كل الأصعدة ومختلف المستويات، لوقف هذا العدوان الظالم اللا إنسانى على القطاع.

فلم تدخر مصر جهداً أبداً فى دعمها الثابت والراسخ للقضية الفلسطينية، على مدار تاريخها

مصر من الدول الأولى الداعمة للقضية الفلسطينية خلال 200 يوم من العدوان الإسرائيلى على غزة الممتد منذ 76 عاماً، وهو ارتباط دائم تمليه اعتبارات الأمن القومى المصرى وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم، كما لم تتوقف مصر فى دعم الأشقاء الفلسطينيين وتقديم أيادى العون لهم لتخفيف المعاناة للشعب الفلسطينى حتى اللحظة.

ومنذ اندلاع الأحداث، تسابق مصر الزمن من خلال تكثيف جهودها وتحركاتها سياسياً ودبلوماسياً، لاحتواء الموقف وتهدئة الأوضاع فى غزة، واستقبلت القاهرة خلال الأشهر الـ 7 الماضية العديد من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية وممثلى المنظمات الدولية والإقليمية، للنقاش حول السبل الكفيلة بالتهدئة المؤقتة والتى تقود إلى وقف إطلاق نار مستدام فى القطاع، وأيضا تنفيذ التهدئة فى الضفة الغربية.. وأكد الرئيس السيسى خلال اتصالاته و لقاءاته مع زعماء ورؤساء الدول والحكومات ومسئولى المنظمات الأممية والدولية، أن مصر لن تسمح بالتهجير القسرى للفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وكانت لغته واضحة وواحدة، وهى ضرورة وقف إطلاق النار، وإعمال الهدنة الإنسانية، ودخول المساعدات، وحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. وقد كانت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحة للغاية، بوقوف مصر بكل قوة لدعم القضية الفلسطينية، وأطلق عليها الرئيس السيسى مصطلح «قضية القضايا»، وحذر من مخططات الشيطانية الإسرائيلية بانتهاج سياسة التهجير القسرى للفلسطينيين على دول الجوار وتحديداً مصر والأردن، وهو ما يمثل خطاً أحمر لن تسمح بتجاوزه.

فبعد أيام قليلة من اندلاع الأحداث، طرح الرئيس السيسى خلال استقباله لوزير الخارجية الأمريكى انتونى بلينكن أمام الكاميرات وجهة النظر المصرية فى كل الأمور بكل وضوح وقوة، وأكد إن ردة الفعل الإسرائيلية على هجوم حماس يوم 7 أكتوبر تجاوزت الدفاع عن النفس وتحول إلى عقاب جماعى لقطاع غزة، الذى يسكنه 2.3 مليون فلسطيني، وأضاف أن ما حدث فى السابع من أكتوبر كان كبيرا وصعبا، ولا شك فى ذلك، ونحن ندينه أيضا، لكن هناك تراكما من حالات الغضب والكراهية ترتبت على مدار أكثر من 40 عاما، مع عدم إيجاد أفق لحل القضية الفلسطينية.. ورغم أن هذا اللقاء الذى ترتب عليه الكثير فى الأداء الأمريكى فى التعامل مع مصر فى تلك الفترة، فإنه حينها تأكدت الولايات المتحدة الأمريكية، أن مصر ستواجه أى سيناريو يمس أمنها القومى وسيادتها، وستواجه أى مخطط قد يدفع إلى أى مسار غير مسار تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

وفى إطار جهودها وتحركاتها سياسياً ودبلوماسياً، من أجل احتواء الموقف وتهدئة الأوضاع بعد أيام من بداية الأحداث، طرحت مصر خارطة طريق خلال قمة «القاهرة للسلام»، التى احتضنتها القاهرة في21 من أكتوبر الماضي، وشارك فيها أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، للعمل على إيجاد سبل لتنفيذها بالتزامن مع المسارات الأخرى التى تتحرك فيها لوقف التصعيد الحالي.. وأكدت مصر فى بيان لرئاسة الجمهورية «على ضرورة وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي. وطالبت باحترام قواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنساني، مؤكدة الأهمية القصوى لحماية المدنيين، وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، وإعطاء أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة. ثم التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، ثم البدء العاجل، فى مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.

ومع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلى على غزة، واصلت مصر جهودها من خلال الاتصالات المكثفة والعاجلة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى مع كل الأطراف سواءً الإقليمية أوالعربية أو الدولية، وهو ما مهد ليكون الدور المصرى رئيسيا فى محاولات البحث عن صيغ فعالة لوقف إطلاق النار.

وعلى المستوى الإنسانى والإغاثي، لم تتوقف مصر فى الضغط لإدخال المساعدات الانسانية من خلال معبر رفح الذى لم يغلق لحظة واحدة منذ بداية الأحداث، رغم القصف الإسرائيلى له من الجانب الفلسطينى أكثر من مرة؛ فضلاً عن إقامة الخيام ومراكز للإيواء ببعض المناطق داخل القطاع، ووصولاً إلى عمليات إنزال المساعدات من الجو، فكان حجم المساعدات المصرية التى تم إدخالها الى القطاع هى الأكبر من كل الجهود الأخرى التى تبذلها دول عربية وأجنبية، حيث بلغت نحو 87 بالمائة، من اجمالى المساعدات التى دخلت للقطاع ، ولم تقتصر جهود مصر على إدخال المساعدات الانسانية والاغاثية.

كما احتضنت القاهرة العديد من جولات المفاوضات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بمشاركة كل من قطر والولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى القاهرة فى الوقت الحالى إلى إيجاد نقاط مشتركة بين الأطراف للتوصل إلى هدنة إنسانية.. لقد حذرت مصر العالم أجمع منذ بداية الأحداث، من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالى إلى مناطق أخرى فى الإقليم، بسبب ازدواجية المعايير التى تتبعها الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة الأولى لإسرائيل فى تعاملها مع العدوان الإسرائيلى على القطاع. وهو ما تشهده المنطقة حالياً من توترات فى منطقة البحر الأحمر، واتساع نطاق المعركة إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، فضلا عن التوترات الحالية بين طهران وتل أبيب.