«الطريدة» قصة قصيرة للأديبة إيمان حجازي

الأديبة إيمان حجازي
الأديبة إيمان حجازي

 

وأنا أفكر الآن فيما حدثِ لا أتصور أنه كان مطلوبا منى أن أنتبه لما يحدث. نعم كانت ثمة أمور غامضة ولكنها أبدا لم تكن تضئ بمثل هذا الوضوح.

اسمحوا لي أن أحكى لكم ما حدث. كانوا قد أنزلونا في غرفة واحدةِ في هذه المدينة الساحليةِ لإجراءات عملِ أنا وهذه الموظفة السبعينية التي أتت إلينا من إحدى أفرع الشركة البعيدة.

وكان يومنا يسير بوتيرة واحدةِ في الصباح يأتوا لنا بالفطورِ بعدها تتوجه إحدانا للحمام وتليها الأخرىِ ونرتدي ملابسناِ لتقلنا السيارة لمكان عملنا فنعود مع المغربِ نتناول غداءنا وأحيانا نتفق على التنزه على الساحل وأحيانا نسهر أمام التلفاز وهكذا.

لم يكن هناك ما يثير الإنتباه ولا الشكِ غير فعلة واحدةِ يوم أن استيقظت ليلا لأجدها تجلس بجواري في سريري ويدها تلمس شعريِ ولكنها قالت أنها سمعتني أتكلم،ِ أنا لا أتكلم أثناء نوميِ ولكن ربما ...

تكلمنا قليلاِ وعادت لسريرها.

أصدقكم القولِ لم أنتبهِ لم يشغلني هذا الموضوعِ حتى عندما كانت تعرض أن تصفف شعري كنت أعتبره شيء عادى يحدث بين الأخواتِ بين الأم وابنتهاِ وكذلك الصديقات.

 

أنظر الآن من نافذة التاكسي وكأني أطمئن أنها لا تأتي في إثري. كم أحس بنظرتها تلك التي رمقتني بها عند الأسانسيرِ وكأنها تلاحقني.

وللحق كانت نظراتها تحاوطني دوما لكنني كما قلت لكم لم أنتبه.

لأِ لربما انتبهت إلى شئ غريب عندما أخذت رأسي على كتفها في طريق عودتنا في ذلك القطارِ قالت: حاولي أن تنامي قليلاِ الطريق طويل.

ربما نمتِ لا أدريِ ولكني أفقت على أصابعها تسرح على رقبتيِ وعندما فتحت عيني شبه مفزوعةِ ابتسمت وقالت متسائلةِ نمتي !؟

عدلت من هيأتيِ ولكني لم أعر الأمر أي انتباه.

 

تأخر القطار كالمعتادِ ولما وصلنا لمحطة رمسيس كانت آخر عربة مترو قد رحلتِ فاستوقفنا تاكسي ليوصلها أولا إلى بيتها ثم أنا.

وفي الطريق أوحت لي بأن سائق التاكسي هذا ليس مأمونا وأنه ينظر لي نظرات غريبة وأن الوقت تأخر وسوف تقلق بشأنيِ واقترحت أن أقضى الليل عندها على أن أرحل في الصباحِ وافقت وخاصة أنها مطلقة هجرها زوجها منذ زمن وابنتها متزوجة وتعيش في محافظة بعيدة مع زوجها.

 

صعدنا إلى الطابق الخامسِ كانت في منتهى السعادةِ وللحق كنت أقول في نفسي إنسانة مضيافةِ حتى بعد أن رفضت مساعدتي في إعداد العشاء وعاملتني كطفلة مدللةِ قلت إنسانة كريمة بنت بلد.

ولكني لا أخفيكم سرا أنى تعجبت جدا عندما أخبرتني أن الحمام جاهز والمياه ساخنةِ كيف تترك السخان يعمل بينما نحن نسافر منذ أكثر من عشرين يوما.

وجدتني أرجئ الحمام إلى ما بعد العشاء.

فذهبت هي لأخذ شاور حتى ينتهي الطعامِ وبعدها كانت المفاجأةِ فقد خرجت بقميص نوم شفاف قصير مفتوحِ ولا شئ غيرهِ من هذا النوع الذي ترتدينه العرائس في أول أيام حياتهن الزوجية.

رغم أن المفاجأة ألجمتني واعتراني خجل مميتِ غير أنى قلت هي امرأة حرة في بيتهاِ وليس معنى أنها تستضيفني أن تغير عاداتها.

 

ولكن لا أخفيكم سراِ أن هناك رهط من الفئران صرن يلعبن في عبي أثناء تناولنا للطعامِ وإصرارها على وضع الطعام في فمي ولمسها لشعري وكتفيِ ونظرتها المتفحصة ليِ هذه المرة لم أخطئ نظرتها ولم تتركني إلا بعد أن أكدت من أنى فهمت.

 

أصدقكم القولِ احترت جداِ وتيقنت أن هذه الجائعة تنتوي أكليِ وقد سنت أسنانها وسال لعاب شهوتها لوجودي.

وكان لزاما علي أن أحتال عليهاِ عزمت على ألا أترك حدقتي تسكن عيونها مرة أخرىِ فقمت واقفة وقلت

حان وقت حمامي !

ولن أصف لكم كم كان مقدار سعادتها.

وأحضرت لي قميصا على شاكلة ما ترتديهِ قالت وهى تغمز: لونه سيكون تحفة عليكي.

وكنت قد وضعت حقيبتي بجوار باب الشقةِ بينما اتجهت هي إلى غرفة النومِ فأخرجت طقما للخروجِ وتوجهت للحمام.

وللحق كنت بدأت أتحسب لها ومنهاِ ومثلما توقعت فقد حاولت فتح باب الحمام عليِ ضحكت في سرى وأنا أتخيل وجهها محملا بالخيبة.

ولن أخفيكم سراِ أن هذه لم تكن خيبتها الوحيدةِ بل زادت قوتها برؤيتي أرتدي ملابس الخروج ;

فسارعت بالقولِ لم أصل العشاءِ وأشرت إلى ملبسها: واضح أنه ليس بهذا البيت زيا ينفع للصلاة هههه.

كنا قد قاربنا على الفجرِ صليت العشاء وأخرجت المصحف من شنطتي وقرأت حتى وافانا الفجر.

دخلت المطبخ لأصنع كوبا من الشاي باللبن "اسطباحةِ"

وعندما سألتني ألن أبدل ملابسي لأغفو قليلاِ بعد الشاي; أجبت.

 

ندهت عليها لتغلق باب الشقة خلفيِ خرجت من الغرفة مسرعة لتجدني أقف وسائق التاكسي يحمل الحقيبة ويتجه إلى الأسانسير .

قبلتني وأصابعها تستميت في التعلق بجسمي.

وحتى الآن .. أنظر من آن لآخر للخلف وعبر زجاج التاكسي للتأكد من نجاتي.

وسيظل دائما شباك التاكسي ملجأ ورمزا تحتمي به الطرائد من شرك  الذئاب الجوعي.