الخوف والرجاء

د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء
د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء

د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء

الترغيب والترهيب.. الرجاء والخوف.. البسط والقبض. كلها أمور من الله، فهو القابض الباسط وهو النافع الضَّار وهو المحيى المُمِيت وهو الأول والآخر إلى ما لا يتناهى من الصفات.. والخوف والرجاء شعوران حسنان، الخوف جميل والرجاء جميل وبين الخوف والرجاء سَيْرُ العبد..

فإذا رأيت نفسك قد دخلت فى دائرة الخوف وسوف تُغْلَق عليك الأمور وسوف تصل إلى مرحلة الوسواس؛ وهذا الوسواس يؤدى بك إلى الإحباط واليأس من رحمة الله، ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون والعياذ بالله، أى لسنا نحن. كَفَرَ أى سُتِرَ قَلْبُهُ عن الإيمان. فكلمة «القوم الكافرون» شديدة جدًا فاليأس من الله مصيبة. فيجب عليك ألا تيأس.

إذن ماذا تفعل وأنت ترى كل يوم أن الوسواس يزداد يوما بعد يوم، والخوف يزيد وبدأت تُحَاسِب نفسك أكثر من اللازم وسوف تدخل فى حالة مَرَضِية، فماذا تفعل؟ افتح الباب واخرج. أى باب؟ الباب الذى يخرجك من دائرة الخوف إلى دائرة الرجاء حتى يحدث توازن.

وكيف يكون باب الرجاء؟ تأمل منن الله عليك -ولن تحصيها-، ستجد نفسك تقول: إن ربنا كريم وعفو وغفور ولم يفعل كل ذلك لى إلا لأنه يحبني، حتى توازن الخوف الذى أدخلت نفسك فيه.

ثم إذا فتحت معك بعض الشيء ووجدت نفسك فى رجاء دائم، وبدأت لا تبالى بالذنب ولا بغيره فتكون قد دخلت الرجاء من أوسع أبوابه، فخفت على نفسك أن تميل الكفة وتريد أن تعود إلى شيء من الخوف؛ افتح باب الخوف، فتأمل ما تفعله من المعاصى وما أنت عليه من تقصير، فتجد أنك تُفْزَع فتقول: ولماذا أنت صابر علىّ يا رب؟ إذًا هو تعالى يمهلنى وسوف يأخذنى أخذ عزيز مقتدر. ما هذا؟ لابد أن أعود سريعا قبل أن يفوت الوقت.

إذن ينبغى عليك أن تكون دائما فى الأمة الوسط، لأن وَسَطَ الشئ أعلاه، كما أن وسط الجبل أعلاه، ولذلك إذا صعدت أعلى فلا تنزل، قال  : (أَما واللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم لَهُ لكِنى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّى وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عَنْ سُنَّتِى فَلَيسَ مِنِّي). وهذا الكلام يقوله لمن زاد على سنته! لأن الزيادة أخت النقص.

إذن لابد علينا أن نكون أمة وسطا كما وصفنا ربنا سبحانه وتعالى، فإذا اختل عندنا الميزان بجانب الرجاء فتحنا باب الخوف بأن نرى مصائبنا فنخافه، وإذا اختل فى جانب الخوف فتحنا باب الرجاء بأن نرى مِنَّةَ الله علينا فنعلم مدى رحمته وكرمه بنا سبحانه وتعالى فنرجوه.