إنسانية مقابل الكذب

جامعة الأزهر
جامعة الأزهر

د. ثناء الشيخ أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

منعت إنسانية الإسلام أن يقتل الأسرى، وقد صاروا ذمّة فى يد المسلمين، فاتخاذ الأسرى إنما يكون خيرا ورحمة ومصلحة للبشر إذا كان الظهور والغلب للمؤمنين أهل الحق والعدل.

وعلى  عكس هذه القاعدة جرت الدول العسكرية فى عصرنا الحالى، فإذا رأت من البلاد التى تحتلها أدنى بادرة من المقاومة نكلت بأهلها أشد التنكيل بالقتل والتعذيب، فتخرّب البلاد وتقتل الأبرياء والضعفاء وتساعدها الدول الظالمة التى تتمسح بحقوق الإنسان كذبا ولهؤلاء أقول: أين حقوق الأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ..

أيها الكاذبون حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل ظالم. إن الإسلام- وهو دين الرحمة والعدل- لا يبيح شيئا من ذلك، فهو دين الرحمة والإنسانية ونرى بأعيننا تسليم أسراهم سالمين، بل أسراهم يهللون باسم ديننا العظيم دين الرحمة المهداة كما أمرنا الله عز وجل ويأمرنا سيدنا محــمد.

ولذلك يأمرنا الله بتبادل الأسرى عندما يكون النصر والغلبة للمؤمنين، أسرى يفاديهم أو يمنّ عليهم إلا بعد أن يكون لنا الغلبة والقوة والعزة والسلطان على أعدائنا وأعداء الله الصهاينة المعتدين الفاسدين ، لئلا يؤدى أخذ فداء الأسرى إلى ضعف المؤمنين وقوة أعدائهم وجرأتهم عليهم.

وما فعله المؤمنون من مفاداة الأسرى، فيجوز تبادل الأسرى بيننا وبينهم طالما يوجد اتفاق بالهدنة كما فعل سيدنا محــمد فى أسرى بدر، وهذا وجه من وجوه الإسلام المشرقة- وكل وجوه الإسلام وضيئة مشرقة بنور الله .

هذا هو الإسلام فى حربه إنها الحرب لطلب السلامة والأمن والأمان والاستقرار والسلام، وليست حربا للبغى، والتسلط فأى ميزان أعدل وأقوم من هذا الميزان فيما بين الناس والناس؟ وأى أمن وأى سلام كهذا الأمن والسلام، الذى يجده المجتمع الإنسانى فى ظل مبدأ كهذا المبدأ، الذى يفرضه الإسلام على أتباعه فى وجه العداوة وفى ردّ العدوان.

مما تسوقه إليهم الحياة على يد الأعداء والمعتدين؟ يقول الرسول الكريم فى شرح هذا المبدأ، وتوكيده «لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة «وكان صلوات الله وسلامه عليه، يوصى من يبعثهم للجهاد بقوله: «اخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون فى سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» إنها حرب الإسلام، غايتها الإصلاح، ودفع الخطر، وبتر الأعضاء الفاسدة من المجتمع الإنسانى ولو كان من همّ الإسلام الحرب للغلبة والقهر والتسلط.

لما كان معها إلا التدمير لكل شىء، والقتل لكل نفس وقد تلقى المسلمون من دينهم، ومن هدى نبيهم هذا الأدب الإنسانى العالي، فى حرب عدوّهم، فلم تسكرهم حميّة النصر، ولم تجر على دينهم ومروءتهم شهوة الانتقام والتشفّى بل كانوا على هذا الأدب الربانى فى السلم والحرب.