دمــاء على البالطو الأبيض فى غزة !

الأطباء يروون لـ«الأخبار» لحظات الرعب والموت بعد ضرب وحصار المستشفيات

المرضى داخل إحدى مستشفيات غزة
المرضى داخل إحدى مستشفيات غزة

«صراخ وبكاء وعويل .. أشلاء وجثث وبقايا جثامين .. دماء فى كل مكان»..

هذا هو المشهد داخل مستشفيات قطاع غزة ..فالداخل شهيد والخارج شهيد حتى إشعار آخر..مستشفيات الشفاء والرنتيسى والقدس والكويتى والأوروبي وغيرها من مستشفيات القطاع أصبحت فى مرمى نيران المدفعية الإسرائيلية التى انتزعت منها الشفقة والرحمة وأصبحت توجه داناتها صوب المدنيين العزل الذين نزحوا للاختباء داخل هذه المستشفيات هربًا وفرارًا من صواريخ وطائرات ومقذوفات الاحتلال الصهيوني..

الصور والفيديوهات القادمة من غزة تبين أن الاهالى فى غزة يتعامل معهم العدو على أساس أنهم أناس لا آدمية ولا حقوق لهم وأنهم مستهدفون فى أى وقت ليل نهار نساء وشيوخًا وأطفالًا ، فالعدو يقتلهم بدم بارد منزوع منه الرحمة، وسط صمت دولى يخجل له الجبين وتشعر الإنسانية معه بالعار.

 وزيرة الصحة الفلسطينية : 
39 رضيعًا مهددون بالوفاة بعد نفاد الوقود بـ «الشفاء»..والعمليات الجراحية تتم بدون مخدر 

 متحدث الصحة: 
الآلاف من المصابين والطواقم الطبية بلا ماء و طعام 

 مدير المستشفى الأوروبي: 
نجرى 35 عملية جراحية يوميًا والأدوات الطبية شارفت على الانتهاء 

 طبيب بـ «الشفاء»: 
فقدت ٤٠ شخصًا من عائلتى ونجوت من الموت بأعجوبة

المستشفيات فى قطاع غزة تئن ولا أحد يسمع أنينها، اعتاد المحتمون بها من أهل القطاع على المجازر الوحشية بحقهم ، أصبحت مشاهد الدماء مألوفة لهم ، ينامون ولا يعرفون هل سيستيقظون مجددًا أم لا ؟!، ويستيقظون ولا يدرون أيعودون مرة أخرى للخلود إلى النوم المؤقت مساء أم سيكون مصيرهم الخلود الأبدى ، لا مكان لموطئ قدم داخل المستشفيات ، الكل مصاب أو شهيد .

كثير من المستشفيات أعلنت توقفها عن العمل بعد استهدافها من قوات العدو الصهيوني، البعض الآخر يعمل فى انتظار نفاد الوقود المتبقى له حتى يتوقف هو الآخر عن العمل ، الأطباء مستهدفون من العدو والأطقم الطبية والتمريض ، سيارات الاسعاف أصبحت هدفًا لطيران الاحتلال ، العمليات الجراحية تجرى دون بنج «على الحي»، عمليات الولادة تشق فيها بطون النساء دون مخدر ، أقسام العناية المركزة توقفت تمامًا ، الموت هو العنوان الكبير داخل هذه المستشفيات.

 مقابر وليست مستشفيات 

وبحسب تقرير صحفى صادر من د.مى الكيلة وزيرة الصحة الفلسطينية حصلت عليه الأخبار فإن من بين الشهداء 4412 طفلا، 2918 سيدة، و667 مسنا، فيما بلغ عدد المفقودين نحو 2650 مواطنا، بينهم أكثر من 1400 طفل.

وأشارت إلى توقف ٢١ مستشفى من أصل 35 عن العمل، كما تم إغلاق (71%) من جميع مرافق الرعاية الأولية فى جميع أنحاء غزة بسبب الأضرار أو نقص الوقود.

وأوضحت أن الأطباء ما زالوا مجبرين على إجراء العمليات الجراحية دون تخدير، وعمليات بتر الأطراف، وبمن فى ذلك أولئك الذين أصيبوا نتيجة القصف والنساء اللواتى يلدن بعمليات قيصرية.

وأضافت الوزارة أن 117 ألف نازح إلى جانب الطواقم الطبية والصحية وآلاف المرضى يقيمون فى المرافق الصحية.

وذكرت أن هناك 1.5 مليون مواطن نزحوا فى غزة داخليًا، ما يعادل أكثر من 70% من سكان القطاع، حيث يعيش نحو 690.400 مواطن فى 149 ملجأ طوارئ مخصصًا للأونروا.

كما يقيم 121،750 مواطنًا فى المستشفيات والكنائس والمبانى العامة الأخرى، وحوالى 99،150 فى 82 مدرسة غير تابعة للأونروا، ويقيم النازحون المتبقون الذين يبلغ عددهم 600 ألف شخص مع عائلات مضيفة، حيث انتقل 150 ألف مواطن لمراكز الإيواء فى الأيام القليلة الماضية بحثًا عن الطعام والخدمات الأساسية.

ويعانى 15% من النازحين قسرًا من إعاقات مختلفة، كما أن معظم مراكز الإيواء غير مجهزة بشكل كاف لتلبية احتياجاتهم، كما تلوح في الأفق كارثة صحية عامة فى ظل النزوح الجماعى واكتظاظ الملاجئ.

وبينت الوزارة أن نحو 40 ألف وحدة سكنية تعرضت للتدمير الكامل، و222 ألف وحدة تعرضت لتدمير جزئي، وهناك 15 مرفقًا صحيًا و51 عيادة صحة أولية تعرضت للتدمير، وهناك 278 مدرسة مدمرة، منها 38 مدرسة مدمرة كليًا، وتعرضت 50 منشأة تابعة للأونروا للتدمير بما فى ذلك الأماكن التى لجأ إليها النازحون، كما تضررت 7 كنائس و66 مسجدًا نتيجة القصف.

 اعتداء على الأطباء 

وسجلت الصحة 130 اعتداء على القطاع الصحي، حيث استشهد 195 من الكوادر الصحية، و36 من الدفاع المدني، وجرح أكثر من 130، بينما تضررت 60 سيارة إسعاف بينها 45 تعطلت عن العمل بشكل كامل، وتم إغلاق 18 من أصل 35 مستشفى فى قطاع غزة، و51 من أصل 72 مركز رعاية صحية أولية بسبب الأضرار الناجمة عن القصف أو نقص الوقود، وتم الطلب من 24 مستشفى بالإخلاء فى شمال قطاع غزة (السعة الإجمالية لهذه المشافى 2000 سرير).

كما أوقف 55% من شركاء القطاع الصحي عملياتهم جراء الأضرار الكبيرة في البنية التحتية، فيما أدى العدوان المستمر إلى نزوح معظم الكوادر الصحية، ما أجبر المستشفيات على العمل بأقل من ثلث الاحتياج اللازم لعلاج العدد الكبير من الجرحى، ولا تزال المستشفيات تعانى من نقص حاد في الوقود، ما يؤدي إلى تقنين صارم واستخدام محدود لمولدات الكهرباء في الوظائف الأساسية فقط.

ونوهت إلى احتمال توقف حاضنات حديثى الولادة التي تؤوي 130 طفلًا، لافتة إلى وجود 350 ألف مريض من المصابين بالأمراض غير المعدية، و1000 مريض بحاجة إلى غسيل الكلى، حيث إن 80% من آلات الغسيل موجودة فى مشافى شمال غزة.

ومنذ السابع من أكتوبر، منعت سلطات الاحتلال خروج المرضى من قطاع غزة للعلاج فى مستشفيات القدس وداخل أراضى عام 48، بمن فيهم 2000 مريض مصابون بالسرطان.

وأشارت الصحة إلى أن تدهور الظروف الصحية، إلى جانب الافتقار إلى الخصوصية والمساحة، يؤدى إلى مخاطر على الصحة والسلامة، حيث تم الإبلاغ عن آلاف حالات الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسى الحادة والإسهال والجدرى المائى والجرب بين الأشخاص الذين لجأوا إلى مراكز إيواء الأونروا.

وأوضحت أن ما مجموعه 50 نازحا يقيمون فى مبانى الأونروا استشهدوا، وأصيب 461 آخرون منذ 7 من أكتوبر، وذلك بسبب استهداف مدارس الإيواء.

وواجه مستشفى القدس فى مدينة غزة أزمة كهرباء، ما اضطره إلى استخدام مولد أصغر لتوفير الوقود، ونتيجة لذلك اضطرت الأقسام الرئيسية مثل جناح الجراحة ومحطة توليد الأكسجين وجناح التصوير بالرنين المغناطيسى إلى الإغلاق، ويعانى المستشفى المعزول عن المناطق المجاورة من نقص حاد فى الإمدادات الأساسية كما أن الكهرباء محدودة ولا يوفر سوى ساعتين يوميًا للنازحين قسرًا فى مرافقه.

وقصفت قوات الاحتلال الإسرائيلى منطقة قريبة من مستشفى القدس، ما أدى إلى إصابة مرضى وتهجير قسري وإلحاق أضرار بالمباني، وأصبح الوصول إلى المستشفى غير ممكن، ما أعاق وصول الفرق الطبية إليه أو إنقاذ المصابين.

كما أعلن مستشفى العودة، أن احتياطى الوقود لديه سينفد خلال 30 ساعة، كونه يواجه أزمة حيث يعد بالغ الأهمية لخدمات الطوارئ والعمليات الجراحية المتخصصة ورعاية الأمومة فى شمال قطاع غزة.

وأضافت الكيلة أن هناك 39 طفلاً رضع مهددون بالموت في أي لحظة وقد استشهد منهم طفل صباح أمس مشيرة إلى أن عدم إدخال الوقود إلى «الشفاء» سيكون حكمًا بإعدام باقى الأطفال المتواجدين فى الحضانات .

 حصار إجرامي 

من جانبه قال د.أشرف القدرة المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الفلسطينية في تصريحات صحفية إن دبابات الاحتلال الاسرائيلي تحاصر مستشفيات الرنتيسى والنصر للأطفال والعيون والصحة النفسية من كل الاتجاهات، كما أن الآلاف من المرضى والطواقم الطبية والنازحين محاصرون داخل المستشفيات بلا ماء وبلا طعام ويتعرضون للموت في أي لحظة.

وأضاف د.أشرف القدرة:على العالم أن يخجل من نفسه أمام ما يرتكب من مجازر واستهداف ومحاصرة للمستشفيات دون أن يحرك ساكنًا.

 الخطر يحاوطنا 

«أكثر من 1200 عملية جراحية تم اجراؤها بالمستشفى منذ بداية القصف». . بهذه الكلمات بدأ الدكتور صالح الهمص مدير مستشفى غزة الأوروبى حديثه ليصف الوضع بالقطاع الحى هناك ويقول إن المستشفى حتى الآن يعمل بالوقود ولكن فى حالة نفاد الوقود لن نستطيع القيام بمعالجة الجرحى و المصابين فلابد من الاستمرار بإمدادنا بالطاقة ،خاصة وأن جميع مستشفيات القطاع تعمل بضعف طاقتها نظرًا لزيادة أعداد الجرحى والمصابين منذ بداية القصف.

ويشير إلى أن عدد الأسرة فى العناية المركزة كانت ١٢ سريرًا ولكن وصل العدد الآن إلى 55 سريرًا داخل مستشفى غزة الأوروبى ونفس الوضع ينطبق على المبيت ليصبح عدد الأسرة إلى 350 بعدما كان عددها 150.

ويوضح أن كل هؤلاء المرضى خاصة أن أغلب الأعداد من الأطفال والسيدات معرضون للخطر فى حال نفاد الوقود لدينا.. ويضيف أما بالنسبة لمخزون الأدوية لدينا فهو مصطلح غير متاح لدينا كقطاع تحت الحصار لأكثر من 15عامًا ،فالمتوافر حاليًا يتم استخدامه للمرضى الموجودين بالمستشفى خاصة أن عدد العمليات وصل فى اليوم الواحد إلى 35عملية جراحية أى 1200 عملية منذ بداية القصف والجدير بالذكر أن بعض الأدوات المستخدمة فى أغلب العمليات شارفت على الانتهاء خاصة المرتبطة بالعظام.

 عجز الكلمات ! 

ويقول د.زايد حرارة استشارى الأمراض السريرية بمستشفى الشفاء للأخبار انه استطاع الهرب بأعجوبة من مستشفى الشفاء فى قطاع غزة بعد الضربات المتتالية من المدفعية الإسرائيلية صوب المستشفى والذى كان يوجد به إعداد كبيرة من النازحين والمرضى والأطباء والتمريض.. وأضاف د.زايد أنه هرب من مستشفى الشفاء تحت غطاء من القذائف الإسرائيلية معربًا عن أسفه من الاعتداءات الغاشمة والإبادات الجماعية بحق المدنيين العزل فى قطاع غزة.

وأوضح قائلاً : لن تتخيل فيلم الرعب الذى عشته أثناء الهروب من مستشفى الشفاء ، فأمهر مخرجى السينما فى العالم لا يستطيعون تصوير مشهد واحد من هذا الفيلم مضيفًا أنه من ستر الله أن تسقط أمامك قذيفة ومن رحمة الله لا تنفجر.

ويستطرد د.زايد قائلًا : وسط هذا الجحيم يعانى مستشفى الشفاء من نقص كبير فى المعدات والأدوات الطبية وأماكن علاج المصابين ، فغرف العمليات العشر بالمستشفى تحولت لعنابر للمصابين الذى بلغ عددهم أكثر من ٤٠ ، بالإضافة إلى النقص الحاد فى طاقم جراحة المخ والأعصاب ناهيك عن الاستقبال الذى يتسع لـ٣٠ مريضًا أصبح يحتوى على أكثر من ٢٠٠ مصاب.

ويواصل حديثه قائلاً : الأطباء داخل مستشفى الشفاء يتناولون نصف وجبة كل ٢٤ ساعة ، فهناك نقص كبير فى الغذاء بالمستشفى ، ويكفى أن أقول لك إنه يتم وضع الشهداء بسبب النقص فى ثلاجات الموتى ويتم وضعهم فى العربيات المعدة لنقل المبردات والمثلجات !،مضيفًا أنه فقد أكثر من ٤٠ شخصًا من عائلته خلال القصف الإسرائيلى لغزة منذ بداية الضرب فى ٧ أكتوبر الماضى موضحًا أن أولاد عمه استشهدوا أثناء وقوفهم معه فى مدخل المستشفى ولم يستطع إنقاذهم.

ويضيف د.زايد : إن لحظات الهروب من المستشفى كانت مروعة فالشهداء ملقون على الأرض ولا تستطيع نقلهم داخل المستشفى ، ومن يحاول الاقتراب منهم او الهرب تعتقله قوات الاحتلال وتقوم باعدامه إمام الآلاف من الفلسطينيين رميًا بالرصاص ، مشيرا إلى انه كره طعام المكرونة ، فمن بداية القصف الإسرائيلى والأطباء ومن فى المستشفى لا يأكلون إلا المكرونة وليتها متوافرة الآن ! ، موضحًا أن الاحتلال جعله يخسر بيته بعد أن دمره بقاذفاته وخسر شقا عمره وأصبح لا يوجد جنيه واحد فى جيبه ، فلا فرق بين الطبيب وعامل النظافة فى القطاع ، الجميع يشحذ لقمة العيش.