خالد خليفة :حارس الحقيقة

خالد خليفة :حارس الحقيقة
خالد خليفة :حارس الحقيقة


أحب خالد خليفة الكتابة وخاف أن يفقدها فطوع كل شيء لخدمتها، حتى أفكاره عن الموت. فى 2013 تعرض ل أزمة قلبية خطيرة وشعر بأنه اقترب كثيرا من الموت، وقتها فكر فى شقاء أهله بمسألة دفنه بمقابر العائلة فى ظل الحرب التى كانت لاتزال فى بدايتها ومن هنا ولدت «الموت عمل شاق» أحد أشهر رواياتهK وعندما تعمقت الحرب وامتدت وغيرت كل شيء انشغل أكثر بالفكرة، بهؤلاء الراحلين بلا وداع لائق، فولدت «لم يصل عليهم أحد» التى شغلته إلى حد أنها أصبحت هاجسا لدى أصدقائه صارحوه به: «إن لم تكتب هذه الرواية ستموت»، أصبح الموت دافعا للإبداع ومحركه!

كان يتعامل مع كل رواية جديدة باعتبارها روايته الأخيرة لذلك يتمهل ويدقق ويعمل ببطء، كى يكون وداعه للكتابة لائقاً. ليس غريبا إذاً أن يطل الموت من أعماله كلها: «حارس الخديعة»، «دفاتر القرباط»، «مديح الكراهية»، «لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة»، وبالطبع «لم يصل عليهم أحد» و«الموت عمل شاق». يطل كصديق حميم وكنتيجة حتمية لا تحتاج لأسباب منطقية فى بلادنا.

اقرأ ايضاً| نصنع المعرفة.. نصون الكلمة فى الدورة القادمة لمعرض الكتاب

حتى الناجون مما يجرى لن يكونوا بالضرورة على قيد الحياة تماما مثله هو وأبطال أعماله، يفكرون فى الحب والأمل رغم أن «الحياة فى المجمل ليست أكثر من مجرد انتظار للموت» قد يقصر أو يطول.

لكنه لم يكن خائفا، ولعله لم يتحده عندما قال «أيها الموت.. لماذا أخطأتنى للمرة الألف. ها أنا فى مرماك أجرّ الشوارع وحيداً» ربما كان حزينا فقط، أو لعله كان مشغولا بالحضور الطاغى للموت الذى يحيط به من كل مكان، فما نعرفه أن شغفه بالحياة لم يتغير أبدا، بل كان يزداد مع الوقت، «أؤمن دوماً بأننى إذا مت فأنا عشت كما ينبغى لى ككائن يحب الحياة إلى درجة الموت».

يكفى أنه رفض الخروج من سوريا رغم الفرص التى أتيحت أمامه دائما، لأنه يرى أن الطبيعى أن يصر على البقاء وليس الخروج «هنا مكانى الطبيعى، هنا ما تبقى من رفاقى، خروجى لا علاقة له بكم الفرص التى تتيح لى العيش خارج البلاد، نعم لدىّ الكثير من هذه الفرص لكننى عشت كل عمرى هنا ولن أترك بلدى فى هذا الوقت الصعب، ومن يعتقد بأن الكاتب هو مواطن سوبر يجب أن يعيد حساباته، دمنا ليس أغلى من دم موطنينا».
                                                                                                                                                                                    
بقى خالد خليفة ونجا من الموت فى الحرب لكن خانه قلبه المنهك الذى اتسع للجميع. عزاؤنا أنه لم يرحل وحيدا فى بلد غريب إنما رحل كما أراد فى وطنه الذى أحب وصلى عليه من أحبهم وأحبوه.