د. أسامة السعيد يكتب: صناعة السلام.. من قلب الركام!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

ليس سهلا أبدا أن تحافظ على أعصابك وسط الضغط، ومن النادر أن تنظر إلى المستقبل بينما يتهاوى الحاضر من حولك، لكن أولئك الذين يملكون القدرة على البحث عن السلام وسط ركام الأحداث، وحدهم يجسدون معنى القيادة الحقيقية.

وهكذا تعكس دعوة مصر لعقد قمة إقليمية ودولية من أجل القضية الفلسطينية تستضيفها القاهرة السبت المقبل المعنى الحقيقي لقيادة المنطقة ولقدرتها على صناعة السلام، رغم الموقف الصارم الرافض لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب الآن في قطاع غزة.

رغم صخب الأحداث، لكن عين مصر التي ترعى وتحرس أمنها القومي، وتحمي ثوابت أمتها العربية، كانت تنظر إلى أبعد مما ترتكبه دولة الاحتلال من جرائم في القطاع الفلسطيني المكلوم، فعينها كانت على مخطط أكبر تريد حكومة التطرف في إسرائيل استغلال الظرف الراهن في تنفيذه برعاية أمريكية، بعدما عجزت مرارا عن تمريره على مدى عقود، وهو حلم تصفية القضية الفلسطينية عبر التخلص من الشعب الفلسطيني، بالطرد والتشريد.

"قمة مصر للسلام" ستكون فرصة لإعادة إحياء القضية الفلسطينية التي أرادت إسرائيل اغتيالها مرة بقتل حل الدولتين المتوافق عليه عربيا ودوليا، ومرات عبر إسكات الشعب الفلسطيني المطالب بأرضه وبحقوقه التاريخية بكل الوسائل الإجرامية.

القمة أيضا ستكون فرصة للبحث عن طريق ثالث، لا يختزل القضية الفلسطينية في ثنائية "إسرائيل وحماس"، وهي ثنائية تريدها إسرائيل وتحرص على ترويجها لأنها تخدم مصالحها داخليا وخارجيا، بينما من مصلحة القضية والشعب الفلسطيني أن يدرك العالم أن فلسطين أكبر من مجرد فصيل، وأشمل من مجرد صراع عسكري، فلسطين قضية شعب عريق وتاريخ يريد المتآمرون طمسه.. قضية حق يلتهمه اللئام عبر تحويل أصحابه إلى شعب من الأيتام!!

قدرة مصر على حشد دعم إقليمي ودولي للقضية الفلسطينية في هذا التوقيت المضطرب يُعد نجاحا بحق ذاته، لأن التئام أصحاب المصلحة في استقرار المنطقة، - وهم كثر- يجهض مساعي الانفراد الإسرائيلي والأمريكي بشعب فلسطين الأعزل، كما أنه يفسد مخطط إسكات الصوت العربي باستخدام مؤامرة متكاملة الأركان تنحاز للرواية الإسرائيلية بينما تتوارى الرواية الفلسطينية تحت ركام الحشد الإعلامي الدولي والخوارزميات المتواطئة لمنصات التواصل الاجتماعي التي باتت سيفا جديدا على ألسنة وأصوات من يدعمون فلسطين وينتصرون لحق شعبها في الحياة.

القمة ستكون فرصة كذلك لإعادة تذكير العالم بأهمية منطقة الشرق الأوسط لاستقرار العالم، وأن أمن المنطقة ومستقبلها لا ينبغي أن يُترك رهينة بأيدي حكومات أيديولوجية تحركها أفكار متطرفة من هنا أو هناك، مع التركيز على ضرورة ألا تتحول القضية الفلسطينية، بما لها من تأثير وجداني هائل على شعوب المنطقة، إلى ورقة ضغط بيد قوى إقليمية، أو لمجرد صندوق بريد إقليمي تتبادل عبرها أطراف إقليمية ودولية رسائل الدم والنار.

مصر التي شاركت في كل حروب العرب ضد إسرائيل، وأحرزت نصرهم الوحيد ضد دولة الاحتلال تعرف جيدا أن السلام لا يصنعه سوى الأقوياء، وأن الانتقام الإجرامي الذي ترتكبه إسرائيل بحق الأبرياء من الشعب الفلسطيني لن يستطيع طمس الحقيقة وهي أن لهذا الشعب حق وحلم، وأنه طالما بقي الشعب صامدا على أرضه فلن ينتصر الاحتلال أبدا.

حقائق التاريخ كلها تُجمع أن التخلص من الشعب الأصلي سواء بالتطهير العرقي والإبادة أو بالنفي والتهجير هو السبيل الوحيد لقوى الاحتلال حتى تستطيع الانتصار، وليس أدل على ذلك من تجربة الولايات المتحدة وتخلصها من سكان أمريكا الأصليين، ويبدو أنهم يحاولون إعادة إنتاج التاريخ في 2023!!