الأزهر والإفتاء: «عمرة البدل» سمسرة بالدين وتفريغ للشعائر

عمرة البدل
عمرة البدل

أثار موضوع استئجار من يؤدى العمرة عن غير المستطيع الجدل أو ما يسمى بـ«عمرة البدل» مؤخرا بعد طرحه على السوشيال ميديا،مما استلزم ردا من الأزهر والإفتاء حيث أكدت دار الإفتاء أن ذلك باب لتفريغ الشعائر الدينية من مضمونها ووصفت المروجين له بـ«سماسرة الدين» وأوضح الأزهر شروط الإنابة فى العمرة وشدد على أنه لا مانع شرعًا أن يُعطَى المعتمِر عن غيره من أصحاب الأعذار نفقات سفره وإقامته فى الأراضى المقدسة، على ألا تكون مهنة بغرض التربح؛ يترتب عليها تهوين الشعيرة فى نفوس الناس، وتنافى المقصود منها..

وذكرت دار الإفتاء أنه من المقرَّر أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد شرع العبادات من فرائض ونوافل لمقاصد كبرى، منها تقريبُ العباد إليه سبحانه وتعالى، وتهذيب النفس البشرية.

ولا بدَّ للإنسان أن يستحضر تلك المقاصد والمعانى أثناء عبادته وتوجُّهه إلى ربه -جل وعلا-، ومن باب التيسير على الأفراد، وبخاصة المرضى وأصحاب الأعذار، نجد أنَّ الشريعة قد أجازت الإنابة فى أداء بعض العبادات بشروطٍ معينة. وإذا كنَّا نجد فى بعض المذاهب الفقهية جواز الاستئجار على أداء بعض العبادات كالحج والعمرة، فإنَّ الفقهاء كانوا يتكلمون عن حالات فردية لم تتحول إلى ظاهرة، وكذلك لم تتحول إلى وظيفة أو تجارة للبعض يتربَّحون منها.

ولم نجد على طول السنين الماضية من تفرَّغ لأداء هذه العبادات مقابل أجر، فضلًا عن أن يصبح وسيطًا (سمسارًا) بين الراغب فى العمرة -مثلًا- وبين من سيؤديها عنه، فإن من الأمور اللازمة فى الإنابة أن يختار الشخص الصالح الموثوق بأمانته، ولا يتساهل فيجعل عبادته بِيَد من لا يعرف حاله، وهذا لا يحصل بالطبع إذا كان التعامل عبر تطبيقات أو وسطاء كل شغلهم واهتمامهم تحقيق الربح، فهذا مما لا يليق مع شعائر الدين التى قال الله تعالى عنها فى كتابه الكريم: «ذَالِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ» .وما حدث من استهجان واستنكار من عموم الناس لمثل هذه الأفكار المستحدثة لهو دليل على وعى الجمهور ورفضهم لتحويل الشعائر والعبادات إلى وظيفة أو مهنة تؤدَّى بلا روح أو استحضار خشوع، هذا الوعى الجماهيرى هو جدار الوقاية الأول للمجتمعات فى مواجهة كل ما هو مُستنكَر وخارج عن المألوف.

وأوضح مركز الأزهر للفتوى الالكترونية أنه يشترط فيمن يقوم بالعُمرة عن غيره أن يكون قد اعتمر عن نفسه. وأضاف أن تعظِيم شعائر الله واجبٌ على كلِّ مسلم، ويتعيّن أن يؤديها بنفسه، متى كان قادرًا على أداء مناسكها، لما يحققه قصد بيت الله الحرام وزيارة سيدنا رسول الله  من تعزيز التواصل الرّوحي، والإيمان بالله، والتعلق به سبحانه، وشدد على أن تهوين الشعائر الدينية فى نفوس الناس يتنافى ومقاصدها.

لقوله سبحانه: «ذَالِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ». وأوضح أن حكم العمرة يدور بين السّنة والواجب، والرَّاجح أنها سنة مؤكدة فى العُمر مرة واحدة، بشرط الاستطاعة فى جهتيها البدنية والماديّة؛ فعلى المسلم أن يبادر إلى أدائها حال استطاعته بدنيًّا وماديًّا، وأن عدم توافر شرط الاستطاعة المادية والبدنية يرفع الحرج عن الإنسان فى الأداء بنفسه أو إنابة غيره؛ لقوله تعالى: «مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» كما أوضح أن الأصل فى العمرة أنها عبادة بدنية لا تجوز الإنابة فيها إلَّا عن كبير السن وأصحاب الأمراض المزمنة التى تعجزهم عن الأداء بأنفسهم..

وأضاف أن من استطاع العمرة وتوفى قبل أن يؤديها، فالأولى أن تؤدى عنه من تركته خروجًا من خلاف من أوجب العمرة على المستطيع كالحج. وأنه لا مانع شرعًا أن يُعطَى المعتمِر عن غيره من أصحاب الأعذار نفقات سفره وإقامته فى الأراضى المقدسة، على ألا تكون مهنة بغرض التربح؛ يترتب عليها تهوين الشعيرة فى نفوس الناس، وتنافى المقصود منها.

وأكد أن الأعذار المبيحة للإنابة يقدرها أهل الاختصاص بقدرها المشروط فى الشريعة الإسلامية، وتكون الفتوى بإجازة الوكالة فردية، وليست حكمًا عامًّا لجميع الناس، فضلًا عن امتهان الوكالة فيها، فإنه خروج على الأصل الذى ذكرنا، ومناقض لمقاصد الشريعة الإسلامية، وذريعة للتهوين من الشعائر ومحاولة طمسها، وباب للممارسات غير المشروعة.