خواطر الإمام الشعراوي| العزة بالإثم

الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي

يقول الشيخ الشعراوي فى خواطره حول الآية 206 من سورة البقرة:« وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ «: ولا يقال له اتق الله إلا إذا كان قد عرف أنه منافق، وما داموا قد قالوا له ذلك فهذا دليل على أن فطنتهم لم يجز عليها هذا النفاق.

ونفهم من هذه الآية أن المؤمن كَيِّس فطن، ولابد أن ينظر إلى الأشياء بمعيار اليقظة العقلية، ولا يدع نفسه لمجرد الصفاء الربانى ليعطيه القضية، بل يريد الله أن يكون لكل مؤمن ذاتية وكياسة. «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله» فكأن المظهر الذى يقول أو يفعل به، وينافى التقوى؛ لأنه قول معجب لا ينسجم مع باطن غير معجب، صحيح أنه يصلى فى الصف الأول، ويتحمس لقضايا الدين، ويقول القول الجميل الذى يعجب النبي صلى الله عليه وسلم ويعجب المؤمنين، لكنه سلوك وقول صادر عن نية فاسدة. ومعنى (اتق الله) أى ليكن ظاهرك موافقاً لباطنك، فلا يكفى أن تقول قولاً يُعجب، ولا يكفى أن تفعل فعلاً يروق الغير؛ لأن الله يحب أن يكون القول منسجماً مع الفعل، وأن يكون فعل الجوارح منسجماً مع نيات القلب. إذن، فالمؤمن لابد وأن تكون عنده فطنة، وذكاء، وألْمعِيَّة، ويرى تصرفات المقابل، فلا يأخذ بظاهر الأمر. ولا بمعسول القول ولا بالفعل، إن لم يصادف فيه انسجام فعل مع انسجام نية.

◄ اقرأ أيضًا | خواطر الإمام الشعراوي .. الفساد أمر طارئ فى الأرض

ولا يكتفى بأن يعرف ذلك وإنما لابد أن يقول للمنافق حقيقة ما يراه حتى يقصر على المنافق أمد النفاق، لأنه عندما يقول له: (اتق الله) يفهم المنافق أن نفاقه قد انكشف، ولعله بعد ذلك يرتدع عن النفاق، وفى ذلك رحمة من المؤمن بالمنافق. وكل مَنْ يرى ويلمح بذكائه نفاقاً من أحد هنا يقول له: (اتق الله) فالمراد أن يفضح نفاقه ويقول له: (اتق الله). فإذا قال له واحد: (اتق الله) وقال له آخر: (اتق الله)، وثالث، ورابع، فسيعرف تماما أن نفاقه قد انكشف، ولم يعد كلامه يعجب الناس. «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم»، وتقييد العزة بالإثم هنا يفيد أن العزة قد تكون بغير إثم، ومادام الله قد قال: « أَخَذَتْهُ العزة بالإثم»، فهناك إذن عزة بغير إثم. نعم، لأن العزة مطلوبة للمؤمن والله عز وجل حكم بالعزة لنفسه وللرسول وللمؤمنين: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» «المنافقون: 8». وهذه عزة بالحق وليست بالإثم. وما الفرق بين العزة بالحق وبين العزة بالإثم؟ ولنستعرض القرآن الكريم لنعرف الفرق.

ألم يقل سحرة فرعون: فيما حكاه الله عنهم: «بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون» «الشعراء: 44». هذه عزة بالإثم والكذب. وكذلك قوله تعالى: «بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ» «ص: 2». وهى عزة كاذبة أيضا أما قوله عز وجل: «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ» «الصافات: 180».

فتلك هى العزة الحقيقية، إذن فالعزة هى القوة التى تَغْلِبُ، ولا يَغْلِبها أحد. أما العزة بالإثم فهى أنفة الكبرياء المقرونة بالذنب والمعصية. والحق سبحانه وتعالى يقول لكل من يريد هذا اللون من العزة بالإثم: إن كانت عندك عزة فلن يقوى عليك أحد، ولكن يا سحرة فرعون يا من قلتم بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، أنتم الذين خررتم سجداً لموسى وقلتم: «قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ» «الشعراء: 47-48». ولم تنفعكم عزة فرعون؛ لأنها عزة بالإثم، لقد جاءت العزة بالحق فغلبت العزة بالإثم. لذلك يبين لنا الحق سبحانه وتعالى أن العزة حتى لا تكون بالإثم، يجب أن تكون على الكافر بالله، وتكون ذلة على المؤمن بالله. «أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين» «المائدة: 54». وكذلك قوله الحق: «أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رحماء بَيْنَهُمْ» «الفتح: 29».

وهذا دليل العزة بالحق، وعلامتها أنها ساعة تغلب تكون فى منتهى الانكسار، ولنا القدوة فى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذى خرج من مكة لأنه لم يستطع أن يحمى الضعفاء من المؤمنين، وبعد ذلك يعود إلى مكة فاتحاً بنصر الله، ويدخل مكة ورأسه ينحنى من التواضع لله حتى يكاد أن يمس قربوس سرج دابته، تلك هى القوة، وهى على عكس العزة بالإثم التى إن غلبت تطغى، إنما العزة بالحق إن غلبت تتواضع.