«سينما باب الحديد» .. مشروع متكامل لتطوير متحف هيئة السكة الحديد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عربي كمال

فى يوم 25 ديسمبر 1895 ظهر الاختراع العجيب الذى سيضيف إلى العالم الفن السابع أو الفن الجامع لسبعة فنون - العمارة والنحت والرسم والأدب والموسيقى والأداء- والذى سيغير مفهوم المعرفة بشكل كبير.


وقد كانت أول تجربة للأخوين لوميير فى قبو مقهى بباريس لعرض أول مشاهد سينمائية غرائبية دخلت التاريخ - ويا للعجب- كانت تحمل عنوانا «وصول قطار إلى محطة سيوتات فى ليون»، كان المشهد عبارة عن قطار ينفث دخانا ويتحرك بسرعة نحو جماهير المقهى حتى بدا كأنه سيدهسهم مما بث الرعب فى قلوب بعض رواد المقهى فسقط بعضهم مغشيًّا عليه والبعض الآخر ولى رعبًا من المقهى.


ولم يمر بضعة أشهر على هذا الحدث فى فرنسا حتى انتقل الأخوان لوميير إلى الإسكندرية وتحديدا بتاريخ ٦ يناير ١٨٩٦ ليعرضا أول عرض سينمائي، والذى أقيم فى مقهى «زوان» بالإسكندرية.


قطارات السكك الحديدية ومحطة باب الحديد
بتاريخ 12 يوليو 1851 وقَّع «عباس باشا» خديوى مصر، والمهندس الإنجليزى «روبرت ستيفنسون» عقدًا يتضمن إنشاء ثانى خط سكة حديد فى العالم يربط بين القاهرة والإسكندرية، وهو ما يعنى أن مصر امتلكت ثانى محطة سكة حديد فى العالم بعد المملكة المتحدة وأهم مشروع - بعد تطوره- استطاع أن يضم المسافات فى مصر من جنوبها إلى شمالها.


يحمل الأمر إذن من المفارقة قدرًا أكبر من الصدفة فكما أن مصر هى ثانى سكك حديد فى العالم فإنها أيضا ثانى مكان يقام فيه عرض سينمائى وأيضا –وبالمفارقة- كان يعرض مشاهد القطار وسكك الحديد وكأنهما يعلنان منذ البداية أنهما سيشكلان فيما بعد رابطًا قويًّا ومهمًا ومتصلاً.


القطارات والسينما 
تطور مشروع الأخوين لوميير وأخذت السينما زينتها، وتوالت الأفلام السينمائية و كان القطار ومازال بطلًا رئيسيَّا لأهم الأفلام السينمائية العالمية والمحلية فشهدت السينما المصرية منذ نشأتها أفلامًا كثيرة تسيدتها السكة الحديد متنًا وهامشًا منها على سبيل المثال فيلم «يحيا الحب» إخراج محمد كريم عام 1938، مرورًا بفيلم «سيدة القطار» إنتاج عام 1952م بطولة: ليلى مراد، يحيى شاهين وفيلم «موعد غرام» للمخرج هنرى بركات إنتاج 1956 بطوله عبد الحليم حافظ، فاتن حمامة.


فيلم باب الحديد
ثم جاء عام 1958 الفيلم الأهم «باب الحديد» والذى يصنف كرابع أفضل فيلم فى تاريخ السينما المصرية للمخرج الكبير يوسف شاهين، و(قصة وسيناريو) عبد الحى أديب وقد استلهم عبد الحى أديب قصته من محطة سكة حديد مدينة المحلة فقد كان مسكن طفولته بجانب هذه المحطة التى كان لها خطان للسكة الحديد، عكس باقى مدن مصر حيث كان لكل مدينة محطة واحدة.


ويعد فيلم «باب الحديد» من أيقونات السينما المصرية بطولة فريد شوقي، وهند رستم وحسن البارودى وقد اُختير فى قائمة أهم 1000 فيلم فى تاريخ السينما العالمية. 


ومن الطرائف التى دارت حول هذا الفيلم وقوف المخرج الراحل يوسف شاهين أمام المحكمة للتحقيق معه بتهمة التمثيل لأنه لم يكن مقيدا بالنقابة الأمر الذى كان سيجعله يواجه عقوبة الحبس لقيامة بدور «قناوي» فى الفيلم.


وقد مرت محطة باب الحديد بمراحل مختلفة من التجديد والبناء، حيث احترق مبنى المحطة الرئيسى عام 1882. وتم تشييدها بنفس الشكل، وبعد ثورة يوليو 1952 جرت عملية توسعة المبنى ثم توالت عملية التطوير مع الاحتفاظ بالطراز الإسلامى ومنمنمات الفن الأندلسى.


وتوالت الأفلام التى ارتبطت بمحطة باب الحديد بمعمارها الهندسى البديع ، فعرض عام 1986 فيلم «القطار» بطولة: نور الشريف وميرفت أمين ويدور حول سائق قطار وظهر عام 1988 فيلم «بطل من ورق» بطولة آثار الحكيم وممدوح عبد العليم وأحمد بدير ، وفى بداية التسعينيات عرض فيلم «المنسي» تدور قصته حول عامل تحويلة يمنع اصطدام قطارين بطولة عادل إمام ويسرا، وناقش فيلم «ساعة ونص» فى عام 2012 حوادث القطارات وشارك فى بطولته كريمة مختار، فتحى عبد الوهاب ، وهذه الافلام المذكورة غيضٌ من فيض يظهر ملامح ارتباط السينما بسكك حديد مصر ومحطتها الرئيسية باب الحديد.


فنانون عملوا بالسكة الحديد 
لم يقتصر إسهام السكة الحديد المصرية بمنح أماكنها وقطاراتها للسينما المصرية فقط وإنما قامت بمدها بمجموعة من الفنانين الذين تألقوا على الشاشة الكبيرة مثل الفنان «رياض القصبجى» الشهير بالصول عطيه فى أفلام إسماعيل ياسين فقد عمل فى بداية حياته العملية كمساريا بالسكة الحديد.


وأيضا الفنانان توفيق الدقن وحسين الشربينى اللذان بدأ حياتهما موظفين بالسكة الحديد واتجها إلى الفن، والمخرج الكبير «سعد أردش» والمطرب محمد الكحلاوى وغيرهم كثير.
تطوير متحف السكة الحديد «مشروع سينما باب الحديد».


هذه العلاقة التاريخية جعلتنى أتقدم بمشروع ضخم متعدد الجوانب والاتجاهات ويمثل لبنة أولى فى حفظ تاريخ مصر السينمائى المرتبط بمحطة مصر. 


فلكم زُرتُ متحف هيئة السكة الحديد ولاحظت أنه يحتاج إلى تطوير مهم ليكمل رسالته ويجعله منافسًا حقيقيًا لأكبر متاحف السكك الحديدية فى العالم ولا عجب فتكملة المفارقات لم تتوقف عن كون مصر تملك ثانى سكك حديد فى العالم ولا ثانى عرض سينما فى العالم بل ويضاف إليهما أن متحف هيئة السكة الحديد -أيضا- هو ثانى متحف سكة حديد فى العالم بعد المتحف البريطاني.


حيث تم تشييد المتحف فى عهد الملك فؤاد الأول وافتتح رسميا فى 15 يناير 1933 ليكون متحف هيئة السكة الحديد تحفة فنية عظيمة لما به من مقتنيات نادرة من قاطرات وعربات قديمة النشأة من بداية تشغيل القطارات بمصر حتى الآن ويزين مقتنياته الفنية قطار «الديزل» الألماني، الذى ظهر فى فيلم «لوعة الحب» بطولة شادية وعمر الشريف.


ولذا قمت بإعداد هذا المشروع لتطوير متحف السكة الحديد ليحفظ التراث السينمائى الخاص بهيئة السكة الحديد و تقدمت به -من فترة_إلى رئيس مجلس إدارة هيئة سكك حديد مصر. 


ويرتكز هذا المشروع فى أحد جوانبه على إنشاء قسم فى متحف هيئة السكة الحديد يكون عنوانه «سينما باب الحديد» وهو خاص بكل الأرشيف السينمائى لسكك حديد مصر من «أفيشات» للأفلام وصور أماكن «اللوكيشن» بالمحطات والمجلات والكتب الأجنبية والعربية التى كتبت عن السينما وعلاقتها بقطارات باب الحديد ناهيك عن المرسلات والمخاطبات التى تمت بين شركات الإنتاج وهيئة سكك حديد مصر حيث يخلو المتحف من أى قسم لهذا الأمر رغم أن متحف هيئة السكة الحديد بأمريكا به قسم سينمائى يمثل جناحًا عظيمًا فى متحف القطارات وقد استطاعت سكك حديد أمريكا أن تقنع الأكاديمية الأمريكية لفنون السينما فى عام 2021 بإسناد مهمة إخراج احتفال توزيع جوائز أوسكار للمرة السادسة فى محطة «يونيون» الشهيرة المميزة بهندستها المعمارية ذات الطراز الإسباني.


وقد لاقى مشروع تطوير متحف هيئة السكة الحديد (سينما باب الحديد) الذى تقدمت به اهتمامًا من رئيس مجلس الإدارة وأحاله الى الجهات المختصة لدراسته.


المعوقات ونداء الى الدولة والمجتمع المدنى 
لكن المعوقات كثيرة والموانع تتزايد نظرًا لعدم وجود أرشيف بالهيئة وغياب وجود فنيين متخصصين بالهيئة للحفاظ على هذا التراث من مراسلات وخطابات بين الهيئة وشركات الإنتاج منذ بداية السينما وحتى تاريخه لجمع هذا المنجز الفنى العظيم.


وهو ما يجعلنى أناشد السيد معالى رئيس الجمهورية ووزيرة الثقافة ووزير الإعلام والمركز القومى للسينما والمركز الكاثوليكى المصرى للسينما ومكتبة الإسكندرية والجامعة الأميركية وورثة المخرج الكبير يوسف شاهين وكافة الجهات والمؤسسات الرسمية والمدنية والمؤسسات الصحفية لما لها من نشاط ملحوظ فى حفظ تراث مصر الثقافى والفنى والأفراد الذين يملكون تراثًا مهمًا من تاريخ مصر بخصوص سينما باب الحديد أن يمدوا يد العون لمعالى وزير النقل ولصاحب هذا المشروع الوطنى الذى سيكون علامة فارقة فى تطوير متحف هيئة السكة الجديد وحفظ تراث سينما باب الحديد كى نستطيع خلال عام من الآن إنجاز هذا المشروع الوطنى الذى ستذكره لنا الأجيال القادمة بكل عرفان وستذكره لنا مصر بامتنان.


إن جملة تحيا مصر يجب أن تتحول من شعار تردده الألسن إلى فعل حقيقى على الأرض وها هى مصر تنادى لحفظ تراثها فهل من جنود مخلصين للوطن؟