أمس واليوم وغدًا

عصام السباعي يكتب: قلب الرجل الواحد

عصام السباعي
عصام السباعي

كل المؤشرات تؤكد أن نتائج الحوار الوطني ستكون مثمرة، حيث سبقه إعداد جيد ومشاركة متنوعة، تمت خلال فترة زمنية مناسبة، تكفل تحقيق الهدف الأساسى من الحوار الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال مائدة إفطار الأسرة المصرية فى رمضان قبل الماضي، من أجل وضع صورة لمستقبل مصر، ورسم ملامح الجمهورية الجديدة، وكيفية مواجهة التحديات والعقبات، ويدعم مؤشرات النجاح العديد من الأمور، فى مقدمتها توافر الإرادة السياسية القوية، والنوايا الصادقة والمخلصة للمشاركين فيه، والدعم المستمر الذى يلقاه الحوار، ويلمسه المتحاورون من الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ويمكننا أن نلمس تلك الجدية من نوعية القضايا التى تتم مناقشتها، وكذلك تنوعها سواء من حيث الموضوعات أو تعدد الألوان والأطياف السياسية والاجتماعية التى تشارك فى مناقشتها، وما شهده من مصارحة، وقبل كل ذلك الإرادة السياسية القوية، رأينا ذلك بوضوح قبل عقد الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني، وفى رسائل عديدة ومتعددة لم تخطئ أبدا عقول وقلوب الجميع، تعلى من مبدأ المسامحة إلا فى الدم والإرهاب والفساد، ثم ظهرت فى أجمل صورها، بعد الاستجابة السريعة من جانب الرئيس السيسى لمقترح مجلس أمناء الحوار الوطنى بإجراء تعديل تشريعى يسمح باستمرار الإشراف القضائى الكامل على العمليات الانتخابية، حيث قام بتوجيه الأجهزة المعنية بدراسة ذلك الاقتراح وآليات تنفيذه.

كل المعطيات تؤكد الإرادة السياسية الصادقة والمخلصة للنهوض بذلك البلد، من خلال العمل والجهد والفكر المشترك، وأن ذلك المؤتمر يمثل نقلة مفصلية ومحورية فى الطريق إلى الجمهورية الجديدة، وأعتقد أن الجميع قد وصلته رسالة الرئيس السيسى التى لم يمل من توجيهها المرة تلو المرة، وكان آخرها قبل أيام فى الاحتفال بعيد العمال، عندما قال لكل المصريين لا تخافوا على مصر، لا تقلقوا من أى أزمة طالما أننا على قلب رجل واحد، طالما أن المصريين يد واحدة، كل الأزمات تذوب، كل المشاكل تجد حلا، ومن هنا كانت مظلة الحوار الوطنى «وطن يتسع للجميع»، وكان شعاره «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية».

الحوار كما هو واضح ليس مجرد «مونولوج»، يتحدث فيه الحاضرون إلى أنفسهم، ولكنه «ديالوج» وحوار صحى بين الجميع، حوار تهتم بكافة تفاصيله كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية، من أجل تحقيق التوافق الوطني، أو بمعنى أصح الحفاظ على ذلك التوافق، الذى كان أبرز نتائج ومنجزات ثورة ٣٠ يونيو التى نحتفل بذكراها المجيدة خلال أسابيع، وربما يكون من حسن الطالع أن نقطف ثمار المنتج الوطنى للحوار ونحن نحتفل بذلك اليوم المشهود، ولست بحاجة هنا إلى التذكير بأن الحوار يتم فى توقيت مهم، يواجه فيه الوطن تحديات، ربما تكون نفس التى واجهناها فى 30 يونيو، لأنها لم تكن ثورة فقط ضد الفاشية الدينية، ولكن كانت أيضا ضد الشياطين التى كانت تقف من ورائهم، ويحاولون إسقاط الدولة المصرية، ونجح المصريون فى إفساد خططهم، والخلاص من تلك الفاشية، ولكن الشياطين ارتدوا أثوابا جديدة، وربما أسماء جديدة أيضا، ومواجهتهم تتم بنفس السلاح وهو التوافق الوطنى وأن يكون المصريون يدا واحدة، تعمل وتبنى وتتقدم للأمام، من أجل تحقيق أهداف محددة، تم تضمينها فى أجندة التنمية الشاملة ورؤية مصر 2030، فلا يمكننا أن نقصر الحوار الوطنى على الشق السياسى، لأن الحوار يشمل جميع المجالات، ولا يمكن أيضا البدء فى الحوار من فراغ، وكأننا نبدأ من جديد، ونغفل حقيقة مهمة، ملخصها أننا انتصرنا فى حرب ضد إرهاب فاجر استمرت 8 سنوات، وأننا برغم تلك الحرب وما استجد من أزمات عالمية قد قمنا بإنشاء بنى أساسية، أصبحت جزءا من أصول ومقومات البلد، وخاصة فى قطاعات الاقتصاد والصناعة والتعليم والصحة والزراعة والمياه وغيرها، والهدف من الحوار هو الضبط والإضافة واقتراح بدائل  قابلة للتطبيق، وليس مجرد طرح شعارات لا علاقة لها بواقع الإنسان المصري، وأن يكون هدفنا  الأساسى هو تحقيق أقصى مستوى من موازين القوى النسبية فى كل المجالات، من أجل الوصول إلى مصر الدولة القوية التى تستطيع الدفاع عن مصالحها وحماية مواطنيها، ومجالاتها الحيوية فى كافة الاتجاهات .
وتبقى إشارة مهمة اسمحوا لى بإضاءتها من خلال كلمات قليلة، أولها أن الحوار الوطنى واجب أصيل لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن، وليس مباراة سياسية قد يسعى البعض لكسبها أو إحراز أهداف شخصية فيها، ولكن جزء من معركة يجب أن تكسبها مصر ويكسبها جميع المصريين، وأن يكون إضافة لمكتسباتها، وليس انتقاصا منها، وأن الثقة هى أساس النجاح فى الخروج من الحوار بنتائج وحلول متكاملة، وأن الوعى هو الذى يضع الحدود الآمنة للحوار، فلا خطوط حمراء فيه، وفى كل الأحوال لا يجب التهوين من تقديرات المخاطر التى يواجهها الوطن، ولا المخاطر التى قد تنجم عن أى خروج من وحدة الصف الوطنى  وكم هى عظيمة لو تعلمون.
ودائما ودوما وأبدا .. تحيا مصر.

بوكس

نصل سريعا عندما نعمل كثيرا ونتكلم قليلا.