عودة سوريا لـ «الحضن العربى» مرهون بـ «التوافق»

فى اجتماع جدة الأخير توافق بين وزراء خارجية الدول التسعة على الموقف من سوريا
فى اجتماع جدة الأخير توافق بين وزراء خارجية الدول التسعة على الموقف من سوريا

العودة هنا عن سوريا الجريحة التى تئن وحدها منذ سنوات عجاف، وليس سواها، فالكل ثابت مكانه دون وهم السقوط. فتشهد أروقة الساحة العربية مشاورات ومباحثات مكثفة منذ أشهر قليلة، بل منذ سنوات قليلة وتحديداً منذ عام ٢٠١٨، ولعل معظمها دار العام المنصرم حول عودة دمشق مرة أخرى إلى الحضن العربى وإنهاء تجميد عضويتها بجامعة الدول العربية. إلا أن البداية كانت مع الحدث الجلل فى مدينة جدة السعودية منتصف الشهر الجاري، والتى استضافت اجتماعاً مهماً لوزراء خارجية دول الخليج الست (السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عُمان) إلى جانب وزراء خارجية مصر والأردن والعراق، حيث دارت البوصلة العربية فى اتجاه إعادة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية الذى تم تجميده بقرار من وزراء الخارجية العرب فى اجتماع طارئ بشهر نوفمبر عام ٢٠١١.


ولم يتضمن البيان الختامى الذى صدر فى نهاية اجتماع جدة - عن الخارجية السعودية وليس مجلس التعاون الخليجي - قصة المقعد السورى فى الجامعة العربية بشكل رسمي، وإنما تضمن البيان التأكيد على «أهمية أن يكون هناك دور قيادى عربى فى الجهود الرامية لإنهاء الأزمة فى سوريا، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود».


أما الحدث الجلل الآخر كان منذ أيام قليلة، حيث زار وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان، دمشق، والتقى مع الرئيس السورى بشار الأسد، فى خطوة مهمة ضمن مسار إنهاء العزلة الإقليمية التى تعيشها سوريا منذ عقد من الزمن.. وتُعد هذه الزيارة هى الأولى لمسئول سعودى بارز منذ القطيعة بين البلدين مع بدء النزاع فى سوريا قبل ١٢ عاماً، وعقب أيام من زيارة وزير الخارجية السورى فيصل المقداد للسعودية، مع بدء استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وقد تم البحث فى هذه الزيارة «الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية، تنهى كافة تداعياتها، وتساهم فى عودة سوريا إلى محيطها العربي».. وتُوجت الزيارات المتبادلة باستئناف العلاقات بين الرياض ودمشق، فى وقت يبحث فيه الجميع عن عودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد التوافق العربى المطلوب.


الانفتاح السعودى على سوريا يأتى فى خضم حراك سياسى ودبلوماسى غير مسبوق قد يغير شكل المشهد فى الشرق الأوسط برمته، منذ اتفاق السعودية وإيران على عودة علاقاتهما الشهر الماضي. ويتزامن الانفتاح العربى على دمشق مع تغير الخارطة السياسية فى المنطقة بعد الاتفاق السعودى الإيرانى الذى تُعلّق عليه آمال بعودة الاستقرار فى منطقة «طالما هزتها النزاعات بالوكالة».


ويحاول العرب حالياً رسم خارطة عربية جديدة للإقليم، بأياديهم، دونما أى إملاءات أو أجندات خارجية، لن يكون فيها وجود لـ «حصان طروادة». خارطة تتكاتف فى إعدادها السعودية مع مصر فى يد واحدة لقيادة العالم العربى الجديد، القوى الفتى الموحد الخالى من الهيمنة.


وقد برزت خلال السنوات القليلة الماضية مؤشرات انفتاح عربى تجاه سوريا، بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها فى دمشق عام ٢٠١٨. ويبدو أن الزلزال فى سوريا وتركيا المجاورة فى فبراير الماضي، يسرع من عملية استئناف دمشق علاقتها مع محيطها العربى والإقليمى مع تلقى الرئيس السورى بشار الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربية.
ومن المؤكد أن القمة العربية المقبلة التى ستستضيفها السعودية خلال شهر مايو المقبل ستحمل الخير الوفير لسوريا، وقد يكون ذلك على مرحلتين، أولهما: تفعيل عضويتها وإنهاء التجميد قبل القمة المرتقبة، بقرار توافقى من وزراء الخارجية العرب - كما حدث وقت تجميد العضوية فى ٢٠١١ - وقبل أيام من لقاء القادة والزعماء فى الرياض، ومن المرجح أن يشارك الرئيس السورى بشار الأسد فى القمة، حتى ولو كان عبر تقنية «الفيديو كونفرانس». أما المرحلة الثانية ستكون عبر اجتماع عالمى بتخطيط عربي، الهدف الرئيسى منه إعادة إعمار سوريا لرونقها المعهود.


مصادر عربية أكدت لـ «الأخبار» أن هناك عدد قليل من الدول العربية مازال يعترض على عودة سوريا للجامعة العربية، وفى حاجة إلى ضمانات من النظام السوري، معتبرين أن أسباب تعليق عضوية دمشق «لا تزال قائمة».. فقد لا تغير عودة سوريا إلى الحضن العربى الخارطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ أن هناك أطراف أخرى يجب أخذها بالحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التى تنشر قوات فى سوريا دعماً للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التى تسيطر على مناطق حدودية، والتى بدأت بدورها مباحثات مع سوريا حول استئناف العلاقات.
نادر غازى