الحوار «السعودى - الإيرانى».. بداية سياسة «تصفير المشاكل»

وزيرا خارجية السعودية وإيران فى لقائهما الأخير فى بكين
وزيرا خارجية السعودية وإيران فى لقائهما الأخير فى بكين

تتسارع الأحداث فى المنطقة على صعيد وجود إرادة سياسية لدى كل من السعودية وإيران على الوصول بالعلاقات السياسية والاقتصادية بينهما إلى مستوى مسبوق متجاوز عقد الماضى ومشاكله التى دامت لعقود ومرت بأزمات وعاشت حالات من الهدوء المحدود والتأزم شبه الدائم وحقيقة الأمر أنه عندما أعلنت كل من الرياض وطهران بجهد ومبادرة صينية فى العاشر من مارس الماضى عن عودة العلاقات المقطوعة بينهما منذ العام ٢٠١٦ خلال شهرين تعامل المراقبون مع تلك المهلة على أنها اختبار نوايا من الجانب السعودى للسياسية الإيرانية فى العديد من الساحات خاصة اليمنية والتى تمثل الشاغل الأهم للرياض وترغب فى الانتهاء منها ولكنها التطورات كشفت عن عدم دقة هذا الأمر خاصة مع وجود تطورين مهمين:


الأول : الاجتماع الذى تم بين وزيرى خارجية البلدين الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيرانى حسين أمير عبداللهيان برعاية صينية أيضا فى استمرار لجهد بكين فى هذا المجال مع الإقرار بما بذلته كل من مسقط وبغداد أيضا فى الإسراع بهذا المسار والذى وصفه  الوزير الايرانى حسين امير عبداللهيان بانه كان ايجابيًا وتمت مناقشة بداية العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين مع جدول اعمال متفق عليه لقضايا مثل استئناف الحج العمرة، والتعاون الاقتصادى والتجارى، وإعادة فتح السفارات والقنصليات، والتأكيد على الاستقرار والأمن المستقر والتنمية فى المنطقة» ويذكر ان هذا الاجتماع هو اعلى مستوى لمسئولين فى البلدين منذ سبع سنوات كاملة وكان هذا اللقاء نتيجة الاتفاق الذى وقعه مستشارا الامن القومى فى السعودية مساعد العبيان ونظيره الايرانى على شمخانى والذى تضمن تعهدًا من كل جانب باحترام سيادة الطرف الآخر وعدم التدخل فى الشئون الداخلية


الثانى : وقد يكون الأهم هو الدعوة التى قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الرئيس الايرانى ابراهيم رئيسى لزيارة الرياض حيث اعلن مساعد الشئون السياسية لمكتب الرئيس الايرانى محمد جمشيدى ان الرئيس رحب بالدعوة واكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون بين البلدين  
ويمكن فهم هذا التطور المهم فى مسار العلاقات الثنائية بين السعودية وايران  


على اكثر من صعيد ونتوقف عند بعضها وهى كالتالى :


اولا: ان الاتفاق جاء خارج السياق للاجواء التى كانت تسود المنطقة منذ اسابيع ما قبل اجتماع مستشارى الامن القومى فى البلدين  والتى كانت تتحدث بجدية عن جهد امريكى باتجاه تشكيل تحالف اقليمى ضد ايران وكان هذا واضحًا فى التحرك النشط لقادة البنتاجون وزيارتهم لدول فى المنطقة والتى شهدت الايام الماضية جولة وزير الدفاع الامريكى فى المنطقة لويد اوستن وقبله مارك ميلى رئيس الاركان.

وكذلك مساعدة وزير الخارجية لشئون الشرق الادنى باربرا ليف فى ظل توجه فى اسرائيل بخطط جاهزة للهجوم على أهداف محددة فى ايران لوقف عمليات تخصيب اليورانيوم بعد الكشف عن تخطيها  نسبة ٨٠ بالمائة من التخصيب ومن جهتها حاولت ايران التخفيف من  تلك الضغوط بالسماح لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة بدخول منشآتها النووية ولعل ردود الافعال الامريكية والاسرائيلية ويبدو ان العاصمتين شعرتا بالصدمة من الاتفاق.

فرغم ان واشنطن حاولت التخفيف من الامر عندما أعلنت أنها كانت على علم بالمباحثات ولكنها لم تكن طرفًا فيها امريكا رحبت على لسان المتحدث باسم البيت الابيض بالاتفاق ولكنها اعربت عن شكوكها فى التزام ايران به وحقيقة الامر ان امريكا لا تسعى للحرب ولا تريدها  ولكل ما يهمها  الاتفاق على الاسس الجديدة حول الملف النووى الايرانى على عكس اسرائيل التى تخشى من التطور الحاصل فى البرنامج النووى الايرانى.

ولهذا فهى الأكثر قلقًا من هذا التطور حيث اعتبرت ان الاتفاق بين الطرفين سيؤثر على مزاعمها بإمكانية تطبيع العلاقات مع الرياض واعتبر مسئول رسمى بان قوة الغرب فى موقفه من ايران سيقلل من أهمية مثل هذا التطبيع  بينما قال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ناتالى بينت  واعتبره تطورًا خطيرًا وانتصارًا سياسيًا لايران واستهدافًا لجهود تشكيل تحالف إقليمى ضد إيران.


ثانيا : ان الاتفاق هو تجسيد حى لسياسية ودبلوماسية سعودية جديدة تسعى من خلالها لتنويع خياراتها الدبلوماسية وتحالفاتها دون التنكر الى استراتيجية علاقاتها مع واشنطن ولهذا فقد تحركت باتجاه روسيا والصين بعد ان استشعرت بحالة التردد التى تسود الادارة الامريكية تجاه العديد من ملفات المنطقة ووجود خلافات مع واشنطن حول العديد من القضايا.

ومنها اسعار النفط والحرب فى اليمن والموقف من الحرب الأوكرانية ونتوقف كمؤشر لذلك عند  التحرك السعودى الاخير  الذى نقل وزير الخارجية الامير فيصل بن فرحان الى موسكو ومن بعدها الى أوكرانيا استهدفت زيارته الى موسكو قضايا استقرار اسواق النفط  والتنسيق داخل منظمة اوبك  وتبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا ومنها بالطبع إمكانية الحوار بين موسكو وكييف.


وبعد فإننا نكون فى مجال المبالغة إذا قلنا إن زيارة الرئيس إبراهيم رئيسى إلى الرياض ستكون بمثابة زلزال سياسى فى المنطقة خاصة مع تسارع الاحداث تدشن لمرحلة جديدة عنوانها الاساسى تصفير المشاكل فى المنطقة فى اطار انفتاح ايرانى على العديد من الدول العربية بعد زيارة كا رئيس المجلس الاعلى للامن القومى الايرانى على شمخانى للعراق والامارات والاتصال الذى تم بين وزيرى الخارجية الايرانى والكويتى والاعداد الى استئناف العلاقات بين ايران والبحرين.

وهو ما كشفه وزير الخارجية الايرانى نفسه الذى تحدث عن وجود جهود للتوصل لاتفاق اولى لاعادة العلاقات مع البحرين  يشمل زيارة وفد فنى لتفقد السفارة الايرانية والمقار الدبلوماسية فى المنامة فى اطار اعلان طهران على ان سياسية حسن الجوار لا تستثنى ايًا من دول المنطقة وكل الشواهد تكشف عن أن هناك ساحات أخرى تشهد توجهًا الى التهدئة خاصة الساحة اليمنية.