د. محمد الميتمي يكتب: اليمن من نفق الحرب إلى رحاب السلام 

د. محمد الميتمي
د. محمد الميتمي

يتراءى ضوء لامع لبزوغ فجر السلام في اليمن ليهتدي به اليمنيون في الخروج من عتمة طويلة وحالكة في نفق الحرب.يمكن لليمنيين بعد كل تلك المشقات والمآسي في زمن الحرب أن يؤسسوا في رحاب السلام المنشود صروح التعايش المشترك والسلم الاجتماعي، وفي مناخه المستقر والهادئ يعملون معا بكل تياراتهم واطيافهم السياسية وفئاتهم الاجتماعية على بناء الدولة اليمنية الاتحادية المدنية الحديثة وتعمير ما دمرته الحرب خلال السنوات التسع، وتطبيب ما مزقته من النسيج الاجتماعي.

الحرب في أدبيات التنمية تعرّف على أنها مسار معاكس للتنمية، لأنها ببساطة تقود إلى الموت والخراب والهلاك. ولا بد لكل حرب – طال الزمن أو قصر- أن تنتهي. بيد أنه كلما طال أمد الحرب، كلما اكلت المزيد من أجساد وأرواح البشر الذي يحترقون بنارها. فهي حقا كالنار تشتد سعيرا وتتسع بالتهام المزيد من حياة البشر ويصبح لها وقاّدون وتجار وأنصار متحمسون ومتعطشون لمزيد من الدماء والأجساد. ذلك لأنهم يصكون من تلك الدماء والاجساد ذهبا ودنانيرا يراكمونها في خزائنهم التي تنادي هل من مزيد؟.

وبالتالي من أجل وقف الحرب وإطفاء حرائقها لا بد من أن يكون هناك أنصار كثر للسلام يفوق عددهم وقّادوا الحرب وتجارها ويتفوقون عليها قوة وعزيمة والتزاما. نار الحرب اليمنية التي يتنازعها اليوم وقّادوها ومشعليها وهم من يمثلون قوى الشر، والإطفائيون الذي يجاهدون لإطفاء نارها بنشرظلال السلام، تحت ظل رعاية صينية جادة ومسؤولة وموثوقة، هم قوى الخير. إن غمامة السلام الحميدةهذه المُحمّلة بالغيث التي حركتها رياح المبادرة الصينية الباردة نحو سماء اليمن والتي يمكن لها أن تغير وجه اليمن الحاضر – إن توفر لها شروط النجاح - تقدم للاطفائيين الفرصة الكبيرة والأدوات الناجعة والفعالة لإنجاح عملية السلام في اليمن، ولا بد من الاستضلال بها واستثمارها قبل أن تنقشع. وقّادوا الحروب ومشعليها، ليسوا فقط شياطين محلية صرفة، بل هناك شياطين إقليمية وأخرى دولية لا تنام ولا تستريح ولا تهدأ، ولا تزدهر ولا تبقى إلا باستمرار الحروب. مما يقتضي اليقظة منهم على الدوام ، والمثل يقول الشياطين تكمن في التفاصيل.

في هذه اللحظة التأريخية الفاصلة والحرجة في التأريخ السياسي اليمني المعاصر يأتي دور القادة السياسيين الحكماء، نافذوا البصيرة الملتزمون بقضايا وطنهم ومصالح شعبهم في مقارعة القوى الشيطانية الذي تتوثّب في أن تنال من مشروع السلام الذي ينتظره اليمنيون بفارغ الصبر وعظيم الامل تحت مختلف الذرائع والمبررات. القادة السياسيون الذين يعيشون من أجل السياسية ويكرسون حياتهم لخدمة وطنهم وعزته ونهضته وكرامته هم من ينبغي أن يتولوا ويتصدروا بأناة وصبر وشغف قيادة هذه المرحلة، فيتصدون لإطفاء الحرب وبناء السلام الشامل والعادل، لا أولئك القادة السياسيون الذين يعتاشون من السياسة ويجعلون منها مصدرا لدخلهم وثرائهم وجاههم، على حساب أرواح وأجساد مواطنيهم. 

لقد رحبت قيادة الشرعية اليمنية بخطوات السلام وبالرعاية الصينية وبالاتفاق السعودي الإيراني الذي يوفر مناخا ملائما للسلام في اليمن. ولطالما فعلت قيادة الشرعية في اليمن ذلك ورفعت راية السلام في كل الجولات السابقة على هذه المبادرة الصينية الفريدة، والتي مع الأسف لم يكتب لها النجاح وتكبد اليمن وشعبه من فشلها خسائر لا تحصى ولا تقدر بثمن. وذلك لسبب بسيط أن وقّادوا الحرب ومشعليها وتجارها انتصروا على دعاة السلام وأنصاره. هذه المرة لا ينبغي أن تفلت هذه الفرصة من أيدي دعاة وبناة السلام في إطفاء نار هذه الحرب اللعينة مهما كانت التحديات والعقبات والصعوبات.

وجب على دعاة السلام وأنصاره أن يحتشدوا بكل فئاتهم وأطيافهم وبكامل قواهم وعزائمهم ويتضافروا لإنجاح هذه المهمة الإنسانية النبيلة لتحقيق النصر على طريق السلام. الفشل يعني اتساع نار جحيم الحرب لتقضي على ما تبقى من جسد اليمن وروحه العظيمة وتمنح الشياطين زهوة نشر الموت في ربوع اليمن على حساب الحياة وإلقاء هذا الوطن اليمني الغالي والجميل في مدافن التأريخ. وهنا تقع المسؤولية الأكبر والأكثر جسامة وحرجا ودقة على عاتق القادة السياسيين في تأمين طريق السلام بالشغف والشعور بالمسؤولية والتناسب إلى جانب فضيلة الحكمة ونفاذ البصيرة. الشغف بمعنى الإيمان المطلق بقضية السلام الشامل والعادل والمستدام، والتناسب بمعنى جعل الوقائع والمعطيات الراهنة في ظل التقارب السعودي الإيراني والرعاية الصينية الهامة والفريدة تؤثر في قراراتهم وهم يتحلون بالتركيز والهدوء والحكمة. والمسؤولية بما تعنيه من قوة الإيمان واليقين وقوة العزيمة والطموح، وقوة الإرادة والفعل، وقوة التحكم في أهواء النفس للوصول إلى هذا الهدف السامي المتمثل ببناء السلام في وطننا اليمن. وهؤلاء هم القادة السياسيون الأخيار الذين يجب التمسك بهم والوقوف معهم.

أما أولئك القادة السياسيون السيئون الذين لا هم لهم إلا البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة وبأي ثمن كان بوصفها عندهم متاع الدنيا والآخرة، يجب نبذهم والتخلي عنهم والتصدي لهم. هؤلاء هم الشياطين الذي يمتطون السياسة كوسيلة لتحقيق مآربهم وهم كثر يرتدون قبعات مختلفة، ويبدلون لون جلودهم منتشرون اليوم في كلا البقاع والزواياالمظلمة، بل والمكشوفة أيضا. 

على الذين يتصدرون اليوم عملية السلام في اليمن وينادون بها بنوايا صادقة ومخلصة أن يستخدموا كل وسائل السلطة والقوى المادية والمعنوية، وأن يضعوا أياديهم في أيادي القوى الخيرية لإبعاد القوى الشيطانية المناهضة للسلام. عليهم أن يفهموا ويستوعبوا الشروط الموضوعية والتناقضات الأخلاقية والمصلحياتية والعملية خلال السير على صراط السلام، الذي هو فن الممكن في السياسة بحيث ترجح الفوائد الاجتماعية والإنسانية العامة على الخسائر الذاتية. أولئك فقط القادة السياسيون ممن يمتلكون الشغف السياسي والقناعات الأخلاقية والضمير الحي والمهارات والحكمة والبصيرة قادرون على إنجاز مشروع السلام العادل والشامل في اليمن الذي ينتظره كل اليمنيون بفارغ الصبر والامل. وعلى الجميع الوقوف صفا واحدا في جبهة السلام في مواجهة جبهة الحرب. لا مجال للفشل ولن تتكرر فرصة أخرى مماثلة. وكما قال شاعر اليمن الكبير الراحل الدكتور عبد العزيز المقالح:

الصمت عار...، الخوف عار...، من نحن عشاق النهار

سنظل نحفر في الجدار...، إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على سطح الجدار

سحب الربيع ربيعنا.....، حبلى بأمطار كثار

ولنا مع الجدب العقيم... محاولات واختبار. وغداً يكون الانتصار.