فى الصميم

مجازر إسرائيل.. وقلق أمريكا!

جلال عارف
جلال عارف

كما كان متوقعاً.. لا القوانين ولا الاتفاقيات ولا التفاهات تردع إسرائيل عن عدوانها المستمر أو توقف آلة القتل التى تملكها عن ممارسة دورها ضد الشعب الفلسطينى..

التفاهمات الأخيرة التى تمت بضغوط أمريكية كبيرة لم تكن فقط خطوة من أجل التهدئة وعدم التصعيد، بل كانت أيضاً عودة الدبلوماسية الأمريكية للتعامل مع القضية الفلسطينية وهو أمر ضرورى إذا كان ممكناً أن تكون هناك فرصة حقيقية لأفق سياسى يبقى على حل الدولتين ويعطى للفلسطينيين حقوقهم المشروعة.

تفادت الولايات المتحدة الإحراج إذا تم التصويت فى مجلس الأمن على قضية المستوطنات واضطرت لاستخدام «الفيتو» وتفادت إسرائيل «الإدانة» بقرار ملزم من المجلس. ومع ذلك سارع نتنياهو برفض بيان المجلس غير الملزم الذى صدر بالإجماع، وإدانة المشاركة الأمريكية فيه (!!).. ولم يكن ذلك إلا إشارة بأن إسرائيل ماضية فى طريقها لنسف أى فرصة حقيقية للسلام، وأنها لن تبقى على أى مساحة للتهدئة.. حتى ولو كانت أمريكا جزءاً منها!!.

وبالفعل.. جاءت مذبحة نابلس لتنهى «التفاهمات» التى رعتها أمريكا قبل أن يبدأ العمل بها، ولتؤكد أن إسرائيل ماضية فى إجراءاتها الانتقامية ضد الفلسطينيين وأنها ماضية فى الاستيطان والتهويد، وفى اقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية والقتل الإجرامى الذى لا يستثنى طفلاً ولا شيخاً، وأن أى رهان على غير ذلك لن يكتب له نجاح مالم ترفع «الحصانة غير القانونية» التى تمنع المحاسبة الدولية على جرائم إسرائيل، وتتجاهل توقيع العقوبات عليها والتى تتجاهل تطبيق قرارات الشرعية الدولية لإنهاء احتلال إسرائيل للأرض العربية وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

السلطة الفلسطينية أعلنت أنها ستلجأ مرة أخرى لمجلس الأمن لإدانة المذابح الإسرائيلية، ولطلب الحماية الدولية لشعب فلسطين.. فهل ستستمر «الحصانة غير القانونية» لإسرائيل؟

وهل سيتكرر حديث «التفاهمات» لتفادى الإحراج ولمنع الإدانة؟

وهل سنسمع مرة أخرى أن الحل ليس فى مجلس الأمن، وأن اللجوء للمحاكم الدولية يعقد الموقف، أم أنه قد آن الأوان لأن يدرك العالم أن سنوات طويلة من هذا التعامل غير المنصف وغير الأخلاقى قد أوصلتنا إلى وضع أصبح فيه شعب إسرائيل نفسه يطلب الحماية من حكومة زعماء عصابات الإرهاب التى تسير بهم نحو الهاوية مع حرب أهلية فى الداخل، ومذابح للفلسطينيين يتباهى بارتكابها إرهابيون أصبحوا أهم الوزراء فى حكومة نتنياهو؟!

هذه حكومة ستهرب إلى الحرب لتبقى فى الحكم، ولن تتخلى عن أوهام التوسع وسياسات الاستيطان والتهويد والقتل الممنهج للفلسطينيين، ولن تتوقف عن ابتزاز العالم ليكون بجانبها وهى تعيد إنتاج جرائم النازية وتبنى دولة على أساس التمييز العنصرى، وتهدد أمن المنطقة كلها..

بل تمتد بالخطر إلى مدى أكبر وهى تهدد المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس العربية وتستدعى حرباً دينية لا يعلم أحد مداها!!

التهدئة مطلوبة، لكنها لن تأتى إلا بإلغاء «الحصانة غير القانونية وغير الأخلاقية» التى تمنع عقاب إسرائيل على جرائمها والتصعيد لن يتوقف إلا إذا عوملت إسرائيل كدولة احتلال لابد أن ينتهى وأن يعاقب دولياً على انتهاكه لقرارات الشرعية الدولية..

الولايات المتحدة الأمريكية لابد أن تتحمل مسئوليتها وإلا فقد حديثها عن الحرية وحقوق الإنسان ما تبقى له من مصداقية، وفقد دورها المفترض فى عملية السلام أى تأثير..

إسرائيل اغتالت «التفاهمات» بمذابح نابلس كما اغتالت كل خطوة للتهدئة أو لإحياء الحل السلمى، على «واشنطن» أن تقرر هل ستستمر فى حماية إسرائيل من المحاسبة الدولية أم لا؟ وهل ستمضى مع سياسة «تبريد» الموقف..

أم مع البحث عن سلام عادل وأمن حقيقى فى المنطقة؟.

الإدارة الأمريكية أعربت عن «القلق الشديد» من المجازر الإسرائيلية.. لم يعد القلق يكفى.. على أمريكا أن تدرك حجم خسارتها إذا استمرت إسرائيل ترتكب جرائمها فى حماية «الفيتو» الأمريكى!!