إنها مصر

فى انتظار عدالة السماء !

كرم جـبر
كرم جـبر

تشعر أن الكلمات عديمة الجدوى أمام المناظر الدامية لسكان غزة وأطفالها ونسائها، وهم يهرعون ذعراً أثناء الليل بعد الهجوم الإسرائيلى الوحشى على مخيمات اللاجئين.

لم تترك لهم إسرائيل مكاناً يلجأون إليه، بعد أن هدمت بيوتهم فتركوها بحثاً عن الأمان، فلم تتركهم فى المخيمات البالية، التى لا تحميهم من برد الشتاء ولا حر الصيف.

وأصعب شيء فى الحياة، أن يستيقظ إنسان ليلاً مذعوراً على ألسنة النيران تلتهم ملابسه والأطفال الصغار، ومناظرهم التى تدمى القلوب، ووجوههم ملطخة بالدماء والحرق.

والإنسانية التعيسة لا تفعل شيئاً، ولا تمتلك إجبار السفاحين على وقف القتل، ولم يعد شيء يمكن عمله، إلا انتظار عدالة السماء بعد أن عجزت قوانين الأرض.

فلا تنتظروا شيئاً من أمريكا أكثر من العبارات المطاطة ذات المعانى الملتوية، فهى التى تقدم لإسرائيل القنابل والصواريخ وأسلحة الموت، وتعلم جيداً أنه يتم استخدامها ضد المدنيين والنساء والأطفال.

أمريكا مع العدالة بالعبارات الكاذبة، ولكنها تدعم المجزرة الوحشية، ولا تهتز لها شعرة وهى ترى أسلحتها القاتلة تغتال الحياة والبشر، ولا تترك شيئاً فوق الأرض إلا ودمرته.

أمريكا ترصد بالصوت والصورة هدم المستشفيات وقتل المرضى وتدمير المساجد والكنائس ومحطات المياه والكهرباء، فأصبحت الحياة فى غزة مستحيلة، وليس أمام سكانها إلا الفرار من جهنم.

أمريكا تعلم جيداً أن رصيفها البحرى لن يشبع الجوعى ولن يقدم دواءً للمرضى، وأنه مجرد تمثيلية لخداع العالم، وإنها تفعل شيئاً هو فى حد ذاته العدم.
والعلم كله يتفرج، ويكتفى بالتعبير عن الندم والأسف ولكنه عاجز عن إصدار قرار حاسم من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، لأن أمريكا لا تريد، وتردد نفس الكلمات الخادعة، بأن ذلك يعنى انتصار حماس، وتعاقب شعباً بأكمله جرياً وراء الأكاذيب.

لم تعثر إسرائيل منذ قرابة ثمانية شهور على السنوار، بعد أن اجتاحت غزة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ومزقتها قطعاً وأشلاء، بحثاً عن السنوار وقادة حماس، وكأنها فى حرب مع أشباح.

وأصبح جيش إسرائيل نموذجاً للنازى والتتار، ومثاراً للسخرية والاستهزاء، وجنوده المدججين بالسلاح والملابس الحديدية، وهم يطاردون أطفالاً ونساءً لا يعرفون الخوف، والمشاهد تقول: فلسطين لها الحياة.

ومنذ ثمانية شهور وهم يتحدثون عن «اليوم التالى للحرب»، وكأنه يوم لن تطلع له شمس، وهل المقصود به اليوم التالى لتدمير غزة بالكامل وتهجير سكانها والاستيلاء على الأراضى المحروقة المليئة بالركام؟

عجزت قوانين الأرض وفى انتظار عدالة السماء، يوم ينزل المنتقم الجبار غضبه على تلك العصابة الإجرامية، بعد أن عجز العالم المتحضر أن يفعل شيئاً، ويكتفى بالفرجة وإبداء الأسف والآسى.

وكم من مأساة عاشتها البشرية على غرار هجوم السفاحين على غزة، وكان مصيرها الزوال والفناء.