لبنان.. أزمة تلد أزمة

لقاء رئيس مجلس النواب اللبنانى مع سفراء الدول الخمسة فى بيروت
لقاء رئيس مجلس النواب اللبنانى مع سفراء الدول الخمسة فى بيروت

قد تكون هذه هى الازمة الاخطر على لبنان الذى لم ينعم كثيرا بالاستقرار منذ استقلاله فى اربعينات القرن الماضى نتيجة المحاصصة السياسية التى تحكم المعادلة فى لبنان ناهيك عن الطائفية المقيتة وقد لاتبالغ اذا ذكرنا ان الازمة خرجت من (السياسي) ومظاهره الشغور الرئاسى منذ نهاية اكتوبر الماضى ودخوله الشهر الثالث وهو معتاد فى لبنان ومعالجته قد تبدو أسهل إلى ماهو أخطر فلم تحقق احتجاجات الشارع اللبنانى فى اكتوبر ٢٠١٩ شعارها الرئيسى الشهير (كلهن يعنى كلهن ) فى رسالة واضحة لدعوة الجماهير الى ضرورة ازاحة كل الطبقة السياسية ومنذ ذلك التاريخ تفاقمت الامور  الي (ازمة اقتصادية)  ذات ابعاد مختلفة منها حالة البنوك اللبنانية العاجزة على الوفاء بمستحقات المودعين وكذلك التحدى الذى يواجه القضاء اللبنانى نتيجة تداعيات التحقيقات فى انفجار ميناء بيروت ولعلنا نتوقف بالتفاصيل عند كل ازمة من الازمات الثلاثة .


وحقيقة الأمر فان لبنان يبدو حالة خاصة استثنائية، فى صعوبة انتخاب رئيس الجمهورية مع غياب التوافق السياسي، بين المكونات والاحزاب فى لبنان ، والذين فشلوا عبر مجلس النواب خلال احدى عشرة جلسة فى الاتفاق على مرشح، ينهى الفراغ الرئاسى خاصة فى غياب كتلة حاكمة تستطيع حسم  انتخاب الرئيس بأغلبية مريحة موازين القوى فى البرلمان لاتسمح بايصال رئيس بدون تحالفات ووجود خلافات بين الكتل الحاكمة ويبدو ان تصريح زعيم حزب الله حسن نصر الله بانه( ليس هناك جديد فى مسألة انتخاب الرئيس الجديد) مؤشر على ان الازمة ستطول وقد جرت محاولتين لتغيير الوضع وهما كالتالى : 
الاولى على مستوى الداخل وهى  مبادرة من البطريرك المارونى بشارة الراعى 
وهو احد الارقام الصعبة التى لا يمكن تجاهلها حتى على المستوى السياسى وقد تحدث فى عظته يوم الاحد قبل الماضى قائلا: ( اذا كان جزء من الشغور الرئاسى يتحملها القادة المسيحيون فالمسئولية الكبرى تقع على غيرهم لان المسيحيين مختلفون على هوية الرئيس فالاخرون مختلفون على هوية الدولة ) فى اشارة ضمنية لحزب الله وفى مبادرة مهمة دعى  كل النواب المسيحيين وعددهم ٦٤ نائبا  للاجتماع فى مقر البطريركية للتعجيل بانتخاب الرئيس مع النواب المسلمين.

مما يعنى اجتماع الفرقاء سمير جعجع وسليمان فرنجية وجبران باسيل وسامى الجميل ولكن رئيس القوات سمير جعجع يتحفظ على هكذا اجتماع وهناك محاولات لثنيه عن موقفه لضمان الخروج بنتائج ايجابية قبل الدعوة مع بحث الامر مع نبيه برى لمعرفة مدى تجاوب الثنائى الشيعى لما يتم الاتفاق عليه وهناك اسماء وهى مبادرة اذا كتب لها النجاح فقد تنهى ازمة الرئاسة ومن بعدها ازمات لبنان الآخرى .


الثانية على صعيد الخارج من خلال الاجتماع الخماسى والذى يضم مصر وفرنسا  وامريكا والسعودية وقطر  الذى شهدته العاصمة الفرنسية منذ اسبوعين والمتابعة لنتائج الاجتماعات من خلال اللقاءات التى عقدها سفراء الدول الخمسة مع القيادات اللبنانية ولعل من المفيد الاشارة هنا الى طبيعية الدول .


وشاركت فى الاجتماع باعتبارها دول فاعلة تاريخيا فى لبنان، فرنسا وامريكا، والسعودية وهى من نجحت فى عقد مؤتمر الطائف فى سبتمبر ١٩٨٩  ، الذى انهى الحرب الاهلية التى استمرت ١٥ عاما، وقطر التى انجزت اتفاق الدوحة مايو ٢٠٠٨ ، والذى انهى خلافا شديدا بين الفرقاء فى لبنان.

وفتح الطريق امام انتخاب الرئيس ميشيل سليمان، مع تشكيل حكومة وحدة  وطنية، ومصر وهى قوة وزانة وتاريخية فى المنطقة، وتحظى باحترام وتقدير الطبقة السياسية اللبنانية، ويحتاج لوجودها أى طرف لدعم جهده ومهمته ورغم ان الاجتماع انتهت بدون اصدار بيان وبالطبع  لم تتداول فى اسماء بعينها ولكنها تملك خريطة طريق تتضمن طبيعة برنامج الرئيس وبعده تشكيل حكومة قوية.

وكان من المؤشرات المهمة تلك الاجتماعات التى عقدها سفراء الدول الخمسة  مع رئيس البرلمان نبيه برى ورئيس الوزراء نجيب ميقاتى ووزير الخارجية عبدالله حبيب  وابلغوه رسالة المؤتمر والذى تتضمن انهم حريصون على لبنان واستقراره ولكنهم لن يكونوا بديلا للبنانيين الذين عليهم حل مشاكلهم والمسئولية هنا على مجلس النواب الذى عليه ان يسارع فى انتخاب رئيس توافقى.

وان الوضع يسير من سيئ الى أسوأ وهناك امكانية لمواقف سلبية من الذين يعطلون عملية الانتخابات وان هناك اتجاها لتجميد أى مساعدات للبنان فى حالة استمرار الوضع على حاله ميقاتى رفض فكرة تحميله مسئولية التعويق.

وقال انه (نأى بنفسه عن العملية برمتها حيث رفض مطالبته بالترشح لمجلس النواب وليست لديه كتلة برلمانية كما ان التشرذم بين النواب السنة لم يكن السبب فهو لم يقاطعوا الجلسات) ثانيا: على صعيد الازمة الاقتصادية فهى متعددة الابعاد.

والتى تهدد بتفاقم الاحتجاجات الاجتماعية فوفقا لما  كشفت وزارة الداخلية فقد شهد لبنان ٩٠ تحركا ميدانيا خلال هذا الشهر اكثر من نصفهم احتجاجا على سوء الاوضاع المالية  ومنها احتجاجات طالت تحطيم واجهات عدد من البنوك واضرام النار فى بعضها احتجاجا على فرض قيود على عمليات السحب واضراب البنوك منذ ٧  فبراير الحالى مع وجود حوالى ٨٠ بالمائة من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر والبالغ عددهم حوالى ستة ملايين ونصف مابين لاجئ ومقيم مع تدنى مستوى الخدمات التعليمية والصحية مع انهيار سعر الليرة اللبنانية وارتفاع فى اسعار السلع والمواد الغذائية.

وعجز عن تأمين اللبنانيين عن توفير احتياجاتهم مع توفير الكهرباء لساعتين فقط فى اخطر ازمة اقتصادية تعصف بالبلاد منذ عام ٢٠١٩ ولعل هذا يفسر ضرورة عودة الاستقرار السياسى حتى يتمكن من الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى بقيمة ٣ مليارات دولار وفتح الطريق امام تلقى منح ومساعدات ودعم مالى من دول عديدة لديها الرغبة فى ذلك بشرط الانتهاء من استحقاقات انتخاب رئيس توافقى قادر على التعاطى بايجابية مع دول العالم وحكومة قوية قادرة على تنفيذ برنامج اصلاحات مالى واقتصادى .


وعلى الصعيد القضائى ايضا هناك مخاوف من تدويل التحقيقات فى انفجار مرفأ بيروت بعد بيان الاتحاد الاوربى والنرويج وسويسرا بضرورة احترام استقلال القضاء ودعوته كل الاطراف بالبعد عن التحقيقات  بعد تجميد الملف لبنانيا لاسباب سياسية والذى يؤكد عن احتمال عودة القاضى طارق بيطار لملف التحقيق وهناك فى لبنان من يشجع لبنان امام الاختبار الصعب مابين التوافق السياسى او السير بسرعة الى اعلانه دولة فاشلة.

اقرأ ايضاً | رئيس حزب القوات اللبنانية: ما يحدث بالبرلمان ليست مشاكل بين مسلمين ومسيحيين

نقلا عن صحيفة الاخبار : 

2023-2-20