حكايات| «البشعة».. النار سر البراءة و«أكل لسان الكداب»

البشعة
البشعة

كثير من الجرائم ترتكب، ولا يمكن إثباتها وتقيدها ضد مجهول، أو يتهم فيها مظلوم ولا يستطيع درء الظلم عنه، لعجزه عن إثبات الحقيقة، ولكشف هذه الجرائم، فالبشعة هي القاضي الأول لإظهار الحقائق، فهي لا تحتاج إلى شهود أو أدلة، يكفي فقط للداعي والمدعي علية «لحس الطاسة» الساخنة بلسان، وهي تقوم بكشف الحقيقة بنفسها، فبظهور حروق وبثور بلسان تثبت الحقيقة بجلسة واحدة.

 

وهي طريقة من الطرق العرفية لإثبات الحقوق، استخدمها العرب قديما لإثبات الاتهام على المجرم، وإزالة التهمة عن البريء، اكتشفها العرب بصحراء مصر الشرقية، والمصريين أول من عمل بها، ورغم قساوتها إلا أن الجميع كان يلجئ لها لإثبات حقه ودفع الاتهام عنه، فهي تبرأ الزاني والسارق والقاتل، ولكن ليس كل شخص مؤهل أن يعمل بها، فمن يحكم بها له صفات خاصة، أدعى البعض أنه مشعوذ ودجال، وآخرين ادعوا قربه من الله، ومنهم من أدعى أن له مهارة خاصة يستطيع من خلالها كشف الكذب، فقد رفضها الأزهر وقالو إنها شعوذة لا صحة لها ولا تستطيع اثبات الحقائق، ورفضها الطب وقالوا عنها خرافات.

 

 

في البداية يحكى لنا الشيخ محمد العياد من محافظة الإسماعلية صاحب الخمسين عاما، أن البشعة هي أداه الحق فهي تستخدم منذ القدم في إظهار الحقائق وفي المجالس العرفية، فهي دليل قوي وقاطع بين القبائل والعرب لا يمكن إنكاره، وذلك لأن «المبشع» له مواصفات خالة تمكنه من اكتشاف الحقيقة فليس كل شخص له القدرة على استخدام البشعه، فلها أسرار عديدة لا يمكن الإفصاح عنها، تعلمناها من اجدادنا العرب، واختارونا كي نكمل مسيرتهم.

 

وأذكر أنه قد جاء لي أحد المرات صاحب شركة يتهم أحد موظفيه باختلاس 8 ملايين جنيه من خزنة شركته، والمتهم ينكر علاقته بهذه الاموال، فحضر صاحب الشركة والمتهم وباقي الموظفين، وبعد لعق الطاسة الساخنة، ظهرت الحقيقة وتم تبرأة المتهم وإدانة البريء، واعترف بتفاصيل الجريمة واقر بمكان المبلغ المسروق، كل هذا حدث في جلسة واحدة بعيد عن طرق التقاضي الأخرى التي تستغرق الكثير من الوقت.

وتابع أن البشعة ليس لها علاقة بالشعوذة والسحر وهو علم وله أسراره التي تعلمناه من أجدادنا، تبرأه المتهم وإظهار الحقائق.

من ناحية أخرى، يقول الدكتور محمد عبدالله، استشاري طب الفم والأسنان، أن البشعة تستمد اسمها من «بشاعة» المحاكمة، حيث يتم تقريب قطعة حديد متوهجة من وجه المتهم، ليلعقها بلسانه، فإذا كان بريئًا لن يشعر بألم وإن كان مذنبًا ستحرق النار لسانه، ويرجع ذلك إلى عده عوامل منها النفسية والعصبية تتحكم في الشخص الذي يتعرض لتلك التجربة القاسية.

 

وطالب عبدالله، بعدم التعويل على جفاف اللعاب الكاذب نتيجة الخوف، فقد يكون الطرفان من الذين يعانون من الرهاب، فكيمياء جسم الإنسان تتغير بمجرد توجيه الاتهام للشخص دون أن يكون مذنبًا.

وأبدى استغرابه بأنه على الرغم مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهدته المجتمعات العربية، وارتفاع معدلات الكشف عن الجريمة بالطرق الحديثة، إلا أن البعض لا يزال يلجأ إلى طرق قديمة، تعد من أشكال السحر والشعوذة، ويري أن التقاضي بهذه الطريقة تهدف لجمع مبالغ كبرى، ما أدى إلى انتشار إعلاناتها على الطرق.

 

 

أما عن موقف الدين من البشعة فقد نشرت دار الإفتاء المصرية عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حكم البشعة والتبشيع وجاء رد السؤال كالآتي:-أن البشعة ليس لها أصل في الشرع، وإنما يجب أن نعمل بقول رسول الله ﷺ “البَيِّنةُ على مَنِ ادَّعى واليَمِينُ على مَن أَنكَرَ»، رواه “البيهقي” في السنن الكبرى والدار قطني عن “ابن عباس” رضي الله تعالى عنهما.

وأضافت الإفتاء أن هذا الحديث الشريف رسم لنا طريق المطالبة بالحق وإثباته أو نفي الإدعاء الباطل، وهذا ما يجب على المسلمين أن يتمسكوا به دون سواه من الطرق السيئة التي لا أصل لها في الشرع، بل وتنافي العقائد الثابتة بخصوصية الله تعالى بعلم الغيب وأن أحدا لا يعلم الغيب بنفسه إلا الله تعالى، فقد قال الله تعالى: ﴿قُل لا أَملِكُ لِنَفسي نَفعًا وَلا ضَرَّا إِلّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِي السّوءُ﴾ [الأعراف: ١٨٨]، وقال عز وجل: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ٠ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَسُول﴾. [الجن: ٢٦، ٢٧]، وإذا علم ذلك فلا يجوز الذهاب إلى من يمارسون البشعة.