بقلم د. علاء الجرايحي: أرض النفاق.. لا تعرف الشرف

د. علاء الجرايحي
د. علاء الجرايحي

من أراضى النفاق،  وصالات اللهو والمرح، وأحضان العاهرات والراقصات، وعلى أصوات الكاسات والكؤوس، انطلقت دعوةٌ خبيثةٌ؛ يقوم على وزرها أبناء الشيطان، الذين خرجوا من مصر ملعونين كما لُعن إبليس، ليستقر بهم المآل فى مراحيض العالم، موطنهم الذى يُناسبهم وأمثالهم، يُعربدون كيفما يحلو لهم، ويتجرَّعون ألوان الخمور سُكارى، حتى صاروا كالذين يتخبطُّهم الشيطان من المسِّ، ثم أخذوا يصبون جم غضبهم على مصر، التى أتلفت بصلاحها وإصلاحها عصب الأدمغة لديهم، يدعون لثورة على نظامها وحكومتها، مُحدِّدين الحادى عشر من نوفمبر موعدًا لها !!
 
وفى أرض النفاق لا تسل عن شرفٍ ومبادئ وقيمٍ ولا حتى ضميرٍ ولا دِينٍ أو وطنية، لأنها فى الأغلب الأعم يسكنها أشخاصٌ مُتعدِّدو الوجوه كالحرباء، مُتغيِّرو الجلود مثل الثعابين، أشخاصٌ كل ما يهمهم ويعنيهم مكاسبهم الشخصية، ومطامعهم الدنيوية، يتلوَّنون حسب أهوائهم وأمزجتهم ومصالحهم، هؤلاء هم بهاليل الطبل، صعاليك المجالس، أينما وُجدوا تراهم لا ينتمون إلى أهلٍ، ولا ينتسبون إلى مذهبٍ، ولا يُقيمون لوطنٍ يحتويهم وزنًا ولا قيمة، إذا تكلَّموا فى شأنٍ كذبوا الحديث، أو تناقشوا فى أمرٍ حرَّفوا المصطلحات وبدَّلوا المعانى، فهم يُجيدون الرقص على كل الحبال، وحين تسنح لهم الفرصة، يُخرجون ألسنتهم لكل المُحيطين بهم، وكأن أصحاب الأمس هم أعداء اليوم.
 
هكذا أصف هؤلاء  الجبناء الذين طردهم المصريون من أراضيهم الطاهرة شر طردةٍ، بعد أن تخابثوا وتناجسوا، وتعاونوا مع إخوانهم من أعضاء جماعات الشر المارقة، الذين هبطوا  علينا فى الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١، طامعين فى حُكم مصر بالقوة، رافعين سيوف النحر، وأسلحة الغدر، فى وجه كل مَنْ يعترضهم، مُتعاونين مع أتباع الشيطان فى الداخل والخارج، الكارهين لنا، من خلايا نائمة، وأجهزة مخابراتية مُعادية، وتنظيمات إرهابية مُخرِّبة، ومنظَّمات حقوقية تُناصبنا العداء، يطلبون منهم العون والمدد، وبعد أن كانت ثورة بيضاء نقيَّة، قامت لأجل الإصلاح وتغيير الأوضاع، قادها شرفاء الوطن، رجالاً ونساءً، شبابًا وشيوخًا، وساندها جيشٌ وطنىٌّ وباركها شعبٌ أبى، امتدت يد الإجرام لتُغيَّر مسارها، وانتهزت فى ذلك الفترة الحرجة التى عشناها حينذاك، لتضع هدفًا فى شباكنا على حين غفلةٍ من الزمن العجيب.
 
ولأن الباطل زاهقٌ لا محالة، بعد تجربةٍ مريرة لسنةٍ كبيسة سوداء، تبيَّن للقاصى والدانى فيها أن هناك من يأخذ مكانته اعتمادًا على الفئة الكادحة من الشعب، التى تمر بظروف حياتية صعبة منذ سنوات، خدعوها بمعسول الكلام، وأوهام المستقبل الزائف، وروّضوها بالزيت والسكر والأنبوبة، فهم كالسوس الذى ينخر فى الأخشاب دون أن تعلم حتى تجعلها هشةً ضعيفةً، تفقد صلابتها وقواها رويدا رويدا، فلا تصمد أمام الرياح العاتية التى تنتظرها، إلا أن الشعب كان واعيًا، وتنبَّه لهم باكرًا ولأفعالهم الدنيئة، فاستدعى أبناءه وحُراسه وحُماة ترابه، خير أجناد الأرض، الذين لقنوهم درسًا لا يُنسى فى الوطنية والولاء، وأزاحوا الكابوس الذى نغّص أحلام المصريين، فهربوا شتاتًا لأوكارهم المعروفة، وفتحوا من هناك دكاكين الحقد والغل والحسد والنقمة على الدولة وأهلها دون هوادة.
 
هؤلاء المنافقون يُريدون أن يعيشوا فى أرض النفاق ما تبقى من أعمارهم، ومن قوام تلك الأرض التى تحتضنهم ألا يكون لها قواعد أو قوانين، حتى يستفيدوا من كل شىء، وهناك مَنْ يعتمد على مثل هؤلاء؛ لكى يهدم بهم مجتمعات وشعوبًا وأصولًا ومؤسسات، ويستخدمهم فى أوطانٍ يبغى محو أصالتها وعراقتها ودينها وهويتها، وللأسف فى الآونة الأخيرة أصبحنا نجدهم بكثرة فى مجتمعنا العربى، وأهدافهم هى بناء دولة للنفاق معتمدةً على إزالة الهوية العربية وأصالتها وجذورها الأصيلة لنصبح بلا هوية، والكارثة أنهم كلما زادت أعدادهم، انتابنا الخوف على مبادئنا المتأصلة بداخلنا من حُب الله والوطن والأهل، فهم يعملون حاليًا من خلال تنظيمات دولية عالية النفوذ تتحكم فيهم وتُسيطر عليهم، عبر مواقع تواصل تُبيد الإنسانية، وتنشر الفساد وتمحو القيم والمبادئ، وتُثير الغرائز الجنسية، وتُوقف العقل البشرى الذى بنى حضارة أذهلت الجميع، وما نراه فى مصر تحديدًا من إنجازات فى البناء والتشييد والتطوير على كل المستويات من صحة وتعليم وبنية تحتية وصناعية، يُحدث ذعرًا لتلك المنظمات المخرّبة، لذلك يُهاجمون بكل قوة هذا التقدُّم من خلال أتباعهم الذين ينتشرون على صفحات ومواقع اللا تواصل، مستغلين نفس الطبقة، وبذات الأسلوب، ليوقفوا قطار التقدم لبلدنا الحبيب مصر، ويُعيدوها دهورًا للوراء.
 
بقدر حجم الإنجازات التى تحقَّقت سوف نُواجه مكائد وضغائن وأحقادًا، وكلما نجحت الدولة أكثر علا نباح الكلاب وازداد عواؤها من كتائب إلكترونية، وأبواق إعلامية، ومنظمات تخريبية، وتنظيمات إرهابية، وجماعات إجرامية، فيجب أن نكون حذرين يقظين لا يغمض لنا جفن، هذا وطننا، وتلك قضيتنا التى نُدافع عنها، وقد لفظنا من قبل هذه الأشكال القذرة مرات ومرات، وأخرجناها من ديارنا، غير مأسوفٍ عليها، وقادرون بوعينا ووطنيتنا  على أن نحمى ترابنا، ويكفى أن لدينا قيادة سياسية أمينة على مصالحنا وأرواحنا، وتعرف قيمة الأوطان جيدًا، كما أن لدينا جنودًا لا يهابون الموت فى سبيل حمايتنا ومقدراتنا، فيا صديقى بلدنا ووطننا وبيتنا أهم ما نملك، لا تجعل أحدًا يتحكم فيك عن بُعد، حتى يجعلك تخرِّب فيه دون قصدٍ، قف وقفة الأسد المدافع عن عرينه ضد كل من تسول له نفسه التلاعب بعقلك وبلدك وأهلك، واعلم أن الأوطان لا تُباع ولا تُشترى ولا قيمة لك دون وطنك الذى تحتمى به.