محمود الوردانى يكتب : هل تريد أن تتعرّف على الإسكندرية؟! (1 – 3) شذرات من سيرة ومسيرة علاء خالد

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

فاتنى أن أقرأ هذا الكتاب الفاتن حقًا «وجوه سكندرية» الصادر عن دار الشروق عام 2012 لعلاء خالد، لكنه وقع في يدي في الأيام القليلة الماضية، واستمتعتُ به إلى أقصى حد، وأعتبره إضافة كبرى لما كُتب عن المدينة، قبل أن تغرب شمسها وأيامها.


سأحاول أولًا، قبل تناول الكتاب أن أتلمس شذرات وومضات سريعة من سيرة علاء خالد الطويلة والشاقة، غير أن ماحققه خلالها يظل متفردًا، وأنجز متنا غير متكرر في الكتابة، كشاعر وروائي ومؤسس لواحدة من أهم تجارب الثقافة المستقلة وأكثرها عمقًا وتفردًا أيضًا وهي مجلة أمكنة، التي صدر منها اثنى عشر عددًا، بين عامي 1999 و 2019، ولقد وقعت في غرامها، ومازلت أعود إليها بين الحين والآخر.


وكنتُ قد تعرّفت على علاء قبل أن ألتقى به بعدة سنوات، عندما وقع فى يدي بالمصادفة عام 1995 كتاب «خطوط الضعف» الصادر عن دار شرقيات، لكاتب لم أكن قد سمعت باسمه من قبل. غمرني الكتاب حرفيًا، وفوجئت بكل هذا الصدق والاختلاف عن سائر ماكان يُكتب أيامها.

ودفعني دفعًا للكتابة عنه في جريدة الحياة اللندنية، ثم مضت سنوات قبل أن نلتقي. الكتاب الذى يستمد عنوانه من تعبير هندسي لنشوء الواحة في الصحراء، يتضمن مزجًا بين السيرة الذاتية وبين الصحراء، على نحو لم يكن قد مرّ عليّ ولم أصادفه. هناك شئ ما خفى فى هذه الكتابة الذاتية. هناك ألم ما خفى وأشواق وبحث مضنى دون الوصول إلى مرفأ.


سيظل علاء فى أعماله التالية، ثماني مجموعات شعرية جعلت منه صوتًا خاصًا ومختلفًا في قصيدة النثرمنذ ثمانينيات القرن الماضي، وأربعة أعمال روائية، وثلاثة كتب أخرى سردية، سيظل يبحث عن مرفأ، ولايهدف إلى الوصول لأي يقين، وتقوده كل تجربة لمعاودة البحث مرة أخرى. 


 يكتب علاء خالد نفسه وينطلق منها، لذلك ظل صوتًا خاصًا ومتفردًا على الدوام، ولم يكن انتقاله من شكل أدبي إلى شكل آخر، أي من الشعر إلى الرواية إلى الأعمال السردية، إلى تجربة مجلة أمكنة، لم يكن مجانيًا أو لمجرد الرغبة في التجريب والقفز هنا وهناك. تجربة علاء تجربة واحدة ممتدة لم تكتمل ولن تكتمل. وحياته نفسها بانعطافاتها وتحولاتها هي كتابته ووسيلته وأداته للوصول لمرافئ ومحطات مؤقتة، فقد ترك عمله الرسمي غير نادم ولم يتحمل كل ذلك الهراء الوظيفي.

واختار أن يفتتح أتلييه خاص لبيع الأنتيكات والتحف الصغيرة، وزرته في الأتلييه الذي كان فى زيزينيا، ثم تركه، وأنفق من عمره سنوات طويلة مرتحلا فى مدن وقرى مصر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن الصحراء إلى أعالى النيل، بصحبة رفيقته وزوجته الفنانة التشكيلية والمصورة سلوى رشاد، ومن خلال كل تلك الارتحالات ولدت مجلة أمكنة المستقلة وغير المتكررة.


لاأظن أن المجال هنا هو الأنسب لقراءة تفصيلية لأعماله السابق الإشارة لها (أى مجموعاته الشعرية ورواياته وكتبه السردية) غير أننى قصدت مجرد الإشارة لتجربة على هذا القدر من الرحابة والتنوع.
في الأسبوع القادم- إذا امتد الأجل- سأقدم قراءة سريعة لواحدة من أهم تجاربه وهى تجربة مجلة أمكنة.

اقرأ أيضا| محمود الوردانى يكتب : عندما ماتت السيدة البيضاء