كتابة : محمود الوردانى : [email protected]

هشام قشطة

كتابة : محمود الوردانى
كتابة : محمود الوردانى

فى لفتة تضاف إلى أياديه البيض وعطاياه على الثقافة العربية، نبّهنا المترجم القدير المحترم الأستاذ سيد إمام إلى ماغفلنا عنه، فقد مرّت الشهر الماضى الذكرى الثلاثين لصدور واحدة من أهم تجارب العمل الثقافى وأكثرها تأثيرا، وأظن أن تداعياتها مازالت قائمة وفاعلة، على هذا النحو أوذاك، وهى مجلة  «الكتابة الأخرى» التى صدر عددها الأول فى مايو عام 1991، واستمرت فى الصدور حتى العدد الأخير الذى صدر فى أعقاب وبمناسبة ثورة 25 يناير.
«الكتابة الأخرى» بأعدادها التى تجاوزت خمسة وعشرين عددا، ومن بينها أعداد مزدوجة، فضلا عن سلسلتها الفرعية ديوان الكتابة الأخرى التى أصدرت عددا لم أتمكن من حصره من المجموعات الشعرية للتجارب الجديدة، إلى جانب إعادة إصدار مجلات نادرة واختفت تماما، ولم تعد متاحة للأجيال الجديدة مثل جاليرى 68 والتطور والكاتب المصري.
ومنذ العدد الأول وحتى الأخير أرست ورسّخت هدفا لم تحد عنه، وهو الاستقلال عن الأجهزة الرسمية والأفكار السيارة النمطية والكتابة السائدة، وانتزاع حق الخروج عن الطابور، وبدلا» من الجلوس على المقاهي»، حسب نص الافتتاحية، قرر عدد من الكتاب الشباب آنذاك، إصدار مطبوعة مستقلة لنشر مايريدون نشره، متجاوزين السقف، ومستعدين للصدام، وربما باحثين عنه.
وهنا يجب تحية الشاعر هشام قشطة الذى حمل على عاتقه المجلة ومطبوعاتها منذ العدد الأول، وعمل معه عدد آخر من الفنانين والكتاب الشباب- آنذاك طبعا- الذين تغيرت أسماؤهم، إلا أن هشام استمر محررا عاما ومسئولا. أتذكر أن المجلة كان يجرى الإعداد لها والمناقشات الدائرة بشأنها وجمع مادتها على مقهى زهرة البستان، لذلك كانت إبنا شرعيا للحرية التى انتزعها هؤلاء الكتاب وتعبيرا عنها وعنهم. 
وعلى الرغم من انعدام الإمكانيات المالية وعدم وجود إطار قانونى ومقر وخبرة سابقة، إلا أن الكتابة الأخرى نجحت فى أن تحقق مكانة محترمة، ونالت تأييدا كاسحا من الجميع، وحتى كثير من ممثلى الثقافة الرسمية والمسئولين عنها انتزعت إعجابهم، على الرغم من أنه لم يكن بوسعهم مساعدتها إلا فى حدود ضيقة جدا.
  فى افتتاحية العدد الأول الموقّعة من هشام قشطة بعنوان» الحرافيش يفعلون الكتابة»- لاحظ اختيار مفردة «يفعلون» وليس يصدرون أو يطبعون أو أى مفردة أخرى . أما السطور الأولى فهى:
وطالما أن الأمر وصل إلى هذا الحد/ وطالما أننا لم ننشغل بعد بكتابة المراثي/ فقد قررالصعاليك الانتقام من الجلوس على المقاهي/ و«صنع» الكتابة الأخرى..
بكل المعايير نحن أمام واحدة من التجارب الكبرى فى العمل الثقافى المستقل المهمومة بالحرية، أو بالأحرى بانتزاع الحرية والمبادرة بانتزاعها وإسقاط التابوهات. وإذا كنت أنوى إذا امتد الأجل أن أكتب مقالا موسعا عن المجلة والتجربة، إلا أننى أشير فقط إلى بعض العناوين لدراسات وموضوعات وردت على أغلفة الإعداد مثل: زمن الفن والحرية.. يحيا الفن المنحط.. دين الحرافيش.. رهانات مستقبل الثقافة.. الدولة والأدب.. الصورة وللسلطة.. إنتاج واستهلاك الأدب الأنثوى فى مصر.. تلك مجرد عناوين أظن أنها تشير إلى جوانب مما اهتمت بها المجلة.
وأخير.. هل أستطيع أن أتمنى أو أحلم بأن تتولى جهة ما . أى جهة إعادة إصدار مايتيسر من أعداد المجلة التى نفدت– وكلها نفدت- أو إعادة طباعة وإصدار المجلات النادرة التى كان للكتابة الأخرى فضل إعادة الروح لها قبل ثلاثين عاما؟!