سامح فايز يكتب: هو كل حاجه إخوان؟!!

سامح فايز
سامح فايز

بقلم: سامح فايز

صارت الكلمة المسيطرة الآن ضد كل من ينطق بخطورة الإخوان بين الناس سؤال شديد السماجة من أربع كلمات،  «هو كل حاجة إخوان؟». سؤال أعادنى بالذاكرة قبل عشر سنوات عندما شاهدت محمد مرسى رئيس مصر السابق فى حكومة الإخوان وهو يعلن نفسه رئيسا، أذاع الخبر فجرا كاللصوص دون انتظار الإعلان الرسمي، فى تلك اللحظة أدركت أن مصر العظيمة ضاعت أو كادت تضيع، ثم وفى شدة ألمى أمسكت القلم وكتبت؛ وبدأت فى سرد كيف أن تنظيم الإخوان الإرهابى لا يصلح أن يكون فى رأس حكم دولة هى الأقدم فى التاريخ!

(1)
على مدار عام كامل فترة حكم الإخوان لم أتوقف عن الكتابة ضد إرهاب التنظيم، ثم ثار الشعب فى 30 يونيو 2013، لكن وبمرور الوقت نسى الناس، أو تناسوا خطورة تنظيم الإخوان، وظنوا أن المعركة بين نظام وتنظيم، متناسين أنها معركة بين الدولة الوطنية والتنظيم الدولي، بدأت رحاها قبل مائة عام مع مطالبة المصريين بحق مصر فى تقرير مصيرها، ثم ظهرت فى نفس التوقيت جماعات دينية متطرفة تطالب بأن تصبح مصر مجرد ولاية تركية!

بعد عشر سنوات من المواجهة شاهدت التنظيم يعود مرة أخرى من خلال دوائر مختلفة، حلقات دفاع حول التنظيم تتغذى على استثمارات التنظيم فى مجالات الثقافة والتعليم والصحة والأوراق المالية وتجارة التجزئة.

انتهى التنظيم بسبب الضربات العسكرية والأمنية المتلاحقة بداية من عام 2013، والمواجهة البطولية من ضباط الجيش والشرطة مع أذرع التنظيم الإرهابية مثل حسم ولواء الثورة وكتائب الشرعية والمقاومة الشعبية وأنصار بيت المقدس وجند الإسلام وأنصار الشريعة وغيرهم العشرات من التنظيمات الإرهابية المسلحة. لكن ظلت دوائر الدفاع حول التنظيم الكامنة داخل صفوف الناس فى المؤسسات التجارية والثقافية والنقابات والجمعيات تتغذى على مصالحها مع التنظيم ومكتسباتها المادية المتحققة من استمرار استثماراته وحركة أمواله.

تسعى تلك الدوائر مؤخرا الى تشكيل حزمة دفاع حول الإخوان فى مسعى خبيث لعودة الجماعة مرة أخرى إلى المشهد العام، مستخدمة فى ذلك العديد من سبل المواجهة ليس مع الدولة فقط، لكن مع الرفض الشعبى الذى تشكل ضد التنظيم الإرهابى بعد ثورة 30 يونيو 2013، وخروج الملايين إلى الشوارع لتفويض الرئيس عبد الفتاح السيسى فى المواجهة مع التنظيم الدولى للإخوان.

(2)
سعى التنظيم منذ اللحظة الأولى بشكل حثيث من أجل كسر حدة الرفض الشعبى لوجوده، مستخدما فى ذلك العديد من الوسائل كان فى مقدمتها الإيحاء بأن هناك «فوبيا الإخوان»، على شاكلة فوبيا الإسلام فى الغرب، التى ربطت بين المسلمين والإرهاب ودفعت الناس فى أوروبا للخوف من كل ما هو إسلامي. غير أن تنظيم الإخوان الإرهابى ليس هو الإسلام ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، إنما استطاع أن يستخدم الدين وسيلة للسيطرة على عقول أتباعه، نفس المسألة التى نجح فيها المتطرفون على مدار التاريخ الإسلامى بداية من الخوارج الذين قتلوا سيدنا على بن أبى طالب أحد العشرة المبشرين بالجنة بحجة أنه كافر، مرورا بالأزارقة والحشاشين والتكفير والهجرة والقاعدة وداعش.

بيد أن تنظيم الإخوان الإرهابى بمساعدة من دوائر الربط العام فى الداخل التى تمثل حلقات خطيرة للدفاع عنه وإن لم تنتمى للتنظيم استطاع نشر ذلك الشعور بين الناس، فوبيا الإخوان، أو بالعبارة الشعبية الدارجة «هو كل حاجة إخوان»، وصار كلما ارتكب التنظيم عملا تخريبيا إو إرهابيا سواء قتل أو تفجير أو تخريب فى الاقتصاد تحركت حلقات الدفاع عنه من غير الإخوان التنظيميين المعروفين مرددة نفس العبارة بشكل منظم،«هو كل حاجة إخوان؟»، ثم يستمر الضغط فى رهان من التنظيم على الملل الشعبى من مقاومة الاخوان، فلم يعتد الناس مقاومة عدو كل تلك السنوات، خاصة وإن كان عدوا غير ظاهر يعتمد على الكمون والتشرنق والعمل السرى.

(3)
تحركات التنظيم السابقة ليست عشوائية، إنما الهدف منها هو سحب المكون الاجتماعى العريض من عملية المقاومة، ذلك المكون الذى رفض حكم الإخوان عام 2012؛ بسبب إدراكه الشديد أن دين الإسلام لا علاقة له بهؤلاء أولا، وأن دولة مثل مصر أكبر من أن تقع تحت سيطرة تنظيم إرهابى علاقاته الدولية أقرب إلى شبكات التجسس منها إلى العمل السياسي.

وبمقارنة بسيطة بالرفض الشعبى للإخوان أعوام 2012 و2013 و2014 ثم الرفض الشعبى الآن سنكتشف حجم التراجع الكبير فى تلك المقاومة؛ ليس السبب فى ذلك تراجع الناس عن رفضهم الشعبى للتنظيم الإرهابي، فالمصريون على مدار التاريخ ترفض شخصيتهم الانقياد تحت لواء التطرف، بيد أن دوائر الربط العام وحلقات الدفاع عن الإخوان استطاعت أن تخترق ذلك المكون بحجج انتهاء التنظيم، وزوال الإخوان، وأن ما يحدث الآن لا علاقة له بتحركات التنظيم التخريبية للضغط على مصر فى الداخل والخارج.

ثم انتقلت حلقات الدفاع العام عن تنظيم الإخوان إلى مرحلة أشد خطرا من كل ما سبق، وهى الإيحاء بأن عقيدة الشعب بالدولة الوطنية أضعف من العقيدة الاخوانية التنظيمية، فيظن الناس خطأ أن التراجع فى مواجهة ورفض التنظيم سببه ضعف عقيدة الشعب بالدولة الوطنية، دون أن ندرك أن المسألة حدثت على مراحل بدأت بعد سقوط التنظيم فى 2013 بنشر وهم فوبيا الإخوان ثم دفع الناس للملل من الحديث المتزايد عن الإخوان حتى نصل فى النهاية للترويج أن صمت الناس عن الإخوان سببه ضعف عقيدتهم الوطنية، وأن استمرار ذكر الإخوان حتى الآن وثبات أتباعه نتيجة قوة العقيدة الإخوانية التنظيمية!

(4)
الهدف من تلك التحركات المنظمة هو سحب كل وسائل الدفاعات الشعبية وترك الدولة مكشوفة فى مواجهة قصف اخوانى سيعود بضراوة، وتحييد الدفاع الشعبى تماما وتحويل المعركة من معركة وجودية للدولة الوطنيه لمعركة سياسية بين النظام والتنظيم وليس بين الدولة الوطنية والتنظيم الدولى.

تلك العودة مخطط لها بقوة وبدأت بوادرها مؤخرا بتهدئة مدبرة من التنظيم الدولى للإخوان وحديثه المستمر عن السلمية وطلب المصالحة مع النظام المصري، متناسيا أن الدول تتصالح مع دول ولا تتصالح مع تنظيمات إرهابية.

من مظاهر تلك العودة أيضا نشاط حلقات الدفاع عن التنظيم مؤخرا وتكتلهم ضد كل من يتحدث عن خطر عودة التنظيم، بحجة أن الدولة تعرف كل شىء وأن حديث الأفراد عن عودة التنظيم معناه أن مؤسسات الدولة وأجهزتها تجهل تلك العودة، وهو حق يراد به باطل، تلك العبارة التى صدح بها سيدنا على بن أبى طالب ضد الخوارج عندما قالوا إن الحكم إلا لله، فرد عليهم كرم الله وجهه، إنه حق يراد به باطل؛ فالحق هنا أن الدولة ومؤسساتها تدرك منذ اللحظة الأولى خطر التنظيم ومحاولات العودة، غير أن حلقات الدفاع تلك تسعى بكل قوة لكسر التأييد الشعبى للنظام والرفض الشعبى للتنظيم حتى إذا عاد الإخوان للواجهة ترك النظام وحده فى مواجهة ذلك التنظيم الإرهابي، وهى المسألة التى سنظل ننبه لها ما كان فى العمر بقية!