خارج النص

المبدعون .. ثروة قومية

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

فى أزمان سابقة كانت الأمم تُقيم بمقدار ما تملك من قوة عسكرية وجيوش قادرة على فرض إرادتها على الآخرين، وفى عصور تالية صارت الثروة المادية معيار التنافس بين الأمم، وفى عصرنا الراهن أصبح رأسمال الموهبة هو معيار المفاضلة ومقياس قوة الدول والشعوب.

انظروا اليوم إلى قيمة الشركات والمؤسسات التى تقوم على ما يُعرف باقتصاد المعرفة لندرك تلك الحقيقة، فشركة مثل «أبل» الأمريكية تتجاوز قيمتها السوقية كل الاقتصادات العربية مجتمعة، بما فيها الدول النفطية الغنية، رغم أن تلك الشركة تقوم فى الأساس على الفكر والإبداع، ثم تحوله إلى منتجات تُباع بمليارات الدولارات سنويا.

رأسمال الموهبة - أى موهبة - إذن يمكن اعتباره قيمة وثروة اقتصادية ينبغى أن نحسن الاستفادة منها ونجيد رعايتها، أقول ذلك وأنا أتابع على مدى أيام مجريات ملتقى الشارقة للسرد، والذى استضافته القاهرة مؤخرا، وشارك فيه العديد من الأسماء اللامعة فى عالم الأدب والنقد والفكر.

نمتلك فى وطننا العربى عامة، ومصر على وجه الخصوص، ثروة فريدة من العقول المبدعة، أتصور لو كان بعضها ينتمى لدول غربية، لاحتكروا الجوائز العالمية، وتحولوا إلى أيقونات ثقافية ومنارات تغزو أعمالها مكتبات العالم، لكن المبدع فى وطننا العربى يجد نفسه محاصرا بمتطلبات حياته المعيشية كإنسان، ومتطلباته الثقافية والمعرفية كمبدع، وبين الاثنين تتشتت جهوده، وغالبا ما تطغى الاحتياجات الانسانية على متطلباته الإبداعية.

فى ملتقى الشارقة، استشعرت قيمة المشروع الذى ترعاه تلك الإمارة الطيب أهلها، وحاكمها المثقف الموسوعى والعاشق لمصر، الشيخ سلطان القاسمي، فى تقديم الفرص لالتقاء المثقفين والمبدعين العرب من مختلف التيارات والأقطار، وتخيلت مدى ما يمكن تحقيقه لو أن كل دولة استطاعت أن توفر مشروعا مماثلا كل بحسب إمكاناته وظروفه.

كم نحتاج إلى أن تتغير النظرة إلى الإبداع - بكل تنوعاته - لنعتبره ثروة قومية، وقيمة اقتصادية، ولننظر كيف تستفيد بريطانيا من تراث شكسبير، وكيف نجحت الهند فى تحويل ثرائها الابداعى إلى صناعة سينمائية مربحة، وكيف استطاعت فرنسا تسويق منتجاتها الابداعية لتخلق لنفسها قوة ناعمة عالمية.