حكاية عمرها 59 سنة.. مغامرات مارى منيب فى التلفزيون

صورة نادرة تجمع مارى منيب مع حسين رياض وفاتن حمامة
صورة نادرة تجمع مارى منيب مع حسين رياض وفاتن حمامة

كتب: أحمد الجمَّال

هى سيدة الضحك بلا استثناء، حلَّقت فى فضاء التمثيل بعيدًا عن كل الفنانين الذين اعتلوا خشبة المسرح أو وقفوا أمام كاميرات السينما. برعت فى أداء أدوار الكوميديا، ولم تحرمها قدرتها على السخرية من أداء الأدوار الدرامية بنفس البراعة، لكن كيف كانت تجربة مارى منيب مع التلفزيون؟! هذه الحكاية عمرها 59 سنة نشرتها الناقدة الفنية الراحلة إيريس نظمى على صفحات «آخرساعة»، ونعيد نشرها باختزال وتصرف محدود فى السطور التالية:

وقفت مارى منيب أمام كاميرات التلفزيون والأضواء مسلّطة على وجهها لتقول أغرب حوار: أنا لن أعمل فى التلفزيون بعد الآن.. لن أقبل الوقوف أمام كاميراته حتى ولو تقاضيت مائة جنيه كاملة عن كل دقيقة أظهر فيها على الشاشة الصغيرة.. وأصيب كل الحاضرين فى الاستوديو بذهول. وصاح المخرج وهو يشد فى بقية شعر رأسه الأصلع: «ستوب.. ستوب»، وتوقفت الكاميرات عن التسجيل، لكن مارى استمرت فى حديثها وهى تقول: «يا روح ما بعدك روح.. أنا ست عندى القلب وانتوا عايزين تموتوني.. حرام عليكم».

وامتدت يدها إلى حقيبتها وأخرجت واحدة من حبات مرض القلب التى تتعاطاها قبل وقوفها أمام كاميرات التلفزيون لتأدية دورها، وغادرت التلفزيون قبل أن ينتهى المخرج من تسجيل الحلقات الجديدة فى مسلسله «الست نجفة».

وفى اليوم التالى صدر قرارٌ بوقف عرضها. إن الخلاف بين مارى منيب والتلفزيون بدأ منذ اليوم الأول الذى ذهبت فيه لتظهــــر على الشاشة الصغيرة.

قالت سيدة الضحك وهى تروى قصتها مع التلفزيون: «أنا ممثلة مسرح، ومنذ ظهور التلفزيون أرفض التمثيل فيه، لا لشيء إلا لأنه فنٌ جديد، وتكرر اتصال المختصين فيه.. طلبوا منى أن أوافق على العمل فيه، وبعد إلحاح متكرر وافقت، وأسندوا إليّ بطولة مسلسلين: «الست نجفة» و«الصلح خير».

التليفزيون «عايز كده»
وبدأت فى عمل البروفات.. كنت أشعر رغم الأربعين عامًا التى أمضيتها فى الفن أننى مازلت تلميذة أمام الشيء الجديد الذى يسمونه التلفزيون.. كنت اجتهد.. أحفظ أدوارى سريعًا.. وفى أيام قليلة حفظت 10 حلقات من رواية «الست نجفة».. وطلبت من المخرج أن يحدد موعدًا لتسجيلها..
قلت له: «يا ابنى أنا ست عيانة بقلبي.. وخايفة أمرض فجأة والدكتور يطلب منى الراحة يوم أو اثنين.. فأرجوك تسجِّل الحلقات اللى انتهينا من بروفاتها.. فثار فى وجهى وقال: «يا ست ده شغلنا إحنا».. وتحملت المخرج وأنا أقول بهدوء يمكن التلفزيون شغله كده.

ومن جديد بدأت مارى تحضر البروفات.. لاحظت أن المخرج يطلب منها أشياء غريبة.. منعها من ترديد الجمل التى اشتهرت بها على المسرح. قال لها إن حركاتها التى تؤديها وهى تمثل من الممنوعات.. حتى ضحكتها التى تميزها منعها منها.

وتقول ماري: «تصورت أن طلبات المخرج يقتضيها الشيء الجديد الذى يسمونه التلفزيون.. وأخيرًا حدّد المخرج يوم التسجيل.. طلب منها الذهاب للاستوديو الساعة السادسة مساء، وطلبت مارى تأجيل موعد التسجيل حتى السابعة فرفض وقال: «ده تلفزيون يا ست ماري». فقالت سيدة الضحك: «قلت يمكن التلفزيون كده».

وذهبت فى الموعد المحدد.. دخلت البلاتوه وفوجئت بأن الديكور غير موجود، والعمَّال لا يزالون يعدون الاستوديو.. طلبت فنجان قهوة ثم فنجانا آخر وفنجانا ثالثا والاستوديو لم يعد بعد وقد غطت الأتربة وجهى وكأنه ماكياچ، فخشيت أن أحتج لأن التلفزيون شيء جديد على حياتي، وفى الساعة التاسعة مساء حضر بعض الممثلين ثم ظهر المخرج، ووضع يده فى جيبه وصاح فى وجهي: «ستاند باي». وسألت: «ستاند باى يعنى إيه؟». فقالوا لي: «يعنى الشغل سيبدأ»، وقلت: «يا فرحة قلبي».

اقرأ أيضًا

لماذا منع البوليس «ماري منيب» من الرقص؟.. أول مهنة

ودارت الكاميرا لكنى فوجئت بأن بعض الممثلين الذين سيقفون أمامى غير موجودين، وتذكرت ما قالوه لى قبل التمثيل.. إن توقفى معناه إعادة تسجيل الحلقة من أولها، وتصرفت.. قلت كلامًا كثيرًا من رأسى ليس موجودًا فى الرواية حتى لا يتوقف التصوير!

وتبتسم سيدة الضحك وهى تقول: «عندما انتهى التصوير انتظرت أن يحتج المخرج لأننى قلت كلاما كثيرًا من رأسى ليس موجودا فى الرواية ولكنه لم يفعل، فقلت لنفسي: «يمكن التلفزيون عايز كده».

سيدة الضحك تثور
وعندما بدأنا نستعد لتسجيل الحلقة الثانية اكتشفنا أن ستة ممثلين قد غادروا البلاتوه سريعًا لأنهم يعملون فى المسرح وموعد رفع الستار اقترب، واقترحت على المخرج أن نسجل حلقة لا يشترك فيها إلا حسين رياض وأنا.. وبدأت البروفات بعد أن توقفنا لأكثر من ثلاث ساعات، وانتهت البروفات وحانت لحظة التسجيل. وقبل أن يبدأ حسين رياض التمثيل فوجئنا بحضور الممثلين الذين عادوا للبلاتوه بعد انتهائهم من تمثيل أدوارهم فى فرقتهم المسرحية.

وصاح المخرج: «ستوب»، ونظرت إليه مندهشة فقال: «لازم نسجِّل الحلقات الأولى بعد حضور الممثلين»، وصاح: «ستاند باي». وتقول ماري: «نظرت لساعتى وجدتها الواحدة والنصف صباحًا، وفقدت أعصابي، وبدلا من أن أقول الحوار المفروض تسجيله وقفت وسط البلاتوه وأنا أصرخ: «حرام عليكم حتموتوني، أنا ست مريضة بقلبي، مش شغالة تانى فى التلفزيون لو هتدفعوا لى 100 جنيه كل دقيقة». وغادرت البلاتوه.
وتقول ماري: «كان لابد من رفض عرض هذه الحلقات لأنها لم تُنفذ كما يجب.. إننى لا أحس بالأسف لتسببى فى وقف حلقات الست نجفة، بل أحس بالسعادة لأننى لقنت المخرج درسًا لن ينساه مدى حياته».

الصلح خير
وقلت لمارى منيب: «هل ستقاطعين التلفزيون بصفة مستديمة؟» فردت: «أنا ضعيفة أمام ثريا حمدان، إننى أحبها.. لقد طلبت منى أن أعود للتلفزيون لتسجيل حلقات (الصلح خير) مع مخرج آخر.. ووافقت، ولكن الخلاف بينى وبين التلفزيون لايزال مستمرًا».

وتابعت: «أريد أن أسأل: هل من حقى أن أؤدى دورى بطريقتى الخاصة أم لا.. هل أقول الكلمات التى تعودت أن أقولها على المسرح والتى تحدِّد شخصيتى والتى يجب أن يسمعها الناس أم لا؟ ماذا يحدث لو قلت: (جتك نيلة.. أو اتنيل على عينك؟)».. إن خلاف مارى مع التلفزيون ليس هو الخلاف الوحيد فى حياتها.. إن لها خلافا آخر مع فرقة الريحاني، وبسبب الشروط التى طلبتها من بديع خيرى تركت عملها فى المسرح.. لقد طلبت تشكيل مجلس إدارة للفرقة وتطعيمها بعناصر فنية جديدة وعرض ثلاث مسرحيات جديدة كل موسم، ومضى عامان ولم تنفذ الفرقة طلباتها فتركت العمل وبقيت فى منزلها.

لايستحقون الحب
وأحس بالمرارة فى صوت سيدة الضحك الأولى وهى تقول: «تصوري.. ولا ممثل من الفرقة جاء ليزورنى فى منزلي.. ولا ممثلين من الذين كنت أعطيهم مرتبات من جيبى بعد أن فشلت فى إقناع أصحاب الفرقة بصرف علاوات لهم فطلبت من مدير الفرقة أن يخصم من مرتبى ويضيف لمرتباتهم.. ولا واحد من هؤلاء جاء ليسأل عني.. لكن معلش كلهم أولادي».

ورغم أن مارى منيب على خلاف مع فرقة الريحانى التى يخرج مسرحياتها ويلعب أدوار البطولة فيها عادل خيري، فإن مارى مثلت هذا الأسبوع فى التلفزيون مع عادل خيري..

سألوها قبل موعد التسجيل: «هل يضايقك التمثيل مع عادل خيري؟» فقالت: «أبدا.. ده ابني». وفى البلاتوه حضر عادل ليمثِّل أمامها حلقة فى مسلسله «الصلح خير» وكان اللقاء بينهما حارًا.. فيه دموع.. قبّل عادل يد مارى وهو يسألها عن صحتها وأحوالها.. وقالت له مارى منيب: «إزيك أنت يا دُولة».

وتوقفت مارى منيب عن الحديث لحظات ربتت خلالها على قططها وكلابها التى تعيش معها فى منزلها بحدائق شبرا.. وهى تقول: «هؤلاء هم الذين يستحقون الحب، أما الإنسان فلا يستحق الحب كثيرًا».

الشهرة تجرى ورايا
وتكلمت مارى عن نفسها فقالت: «أنا ست فنانة لا أبحث عن الشهرة، فالشهرة هى التى تجرى ورايا.. ماشترتش عربية.. لغاية النهارده لسه باركب التاكسيات من 30 سنة وأنا كده، وسأظل هكذا.. لسه ساكنة فى شبرا، ولن أفكر فى الانتقال للزمالك أو جاردن سيتي».

ومارى منيب الفنانة التى مثلت كل الألوان.. دراما وكوميدى حتى رآها نجيب الريحانى فخصصها فى تمثيل أدوار الحماة ونجحت فى هذا اللون.. لا يعجبها من الممثلين الكوميدى غير إسماعيل يس.

قالت ماري: «إننى لا أتأثر بالتمثيل.. لا أضحك عندما يمثل أمامى ممثل كوميدي.. ولا أبكى عندما يمثل أحدهم دورًا يهزني، لكنى أضحك من قلبى عندما أشاهد إسماعيل يس».

وتقول أيضًا: «أحترم من الممثلين حسين رياض ومن الممثلات تحية كاريوكا.. لقد اكتشف المرحوم نجيب الريحانى موهبتها فى المسرح، وقرَّر أن يقدمها فى إحدى المسرحيات ولكنها سافرت قبل أن تظهر.. لقد رأيت لها مسرحية (شفيقة القبطية) التى ألفها جليل البندارى فأعجبت بها.. تحية كاريوكا ممثلة عظيمة».

ومارى منيب فوجئت ذات يوم بابنها فؤاد منيب وهو يظهر على شاشة التلفزيون لتقديم برنامج باسمه، وسارعت بالاتصال به تليفونيًا وقالت له: «جتك نيله.. إيه اللى خلاك عملت فى نفسك كده؟»، وقال فؤاد: «أعمل إيه، طلبت منك توصلينى لهناك موافقتيش». وتقول ماري: «ابنى دمه خفيف.. طالع لأبوه».
(«آخرساعة» 13 مارس 1963)