أسرار من كواليس عودة أرض الفيروز.. لماذا هدم الجيش الإسرائيلي ياميت؟

مستوطنة ياميت
مستوطنة ياميت

نحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ 42 لتحرير سيناء، أرض الفيروز الغالية التي عادت إلينا كاملة في يوم 25 أبريل، وبهذه المناسبة قررنا التحدث عن الأسباب التي دفعت إسرائيل الى هدم مستوطنة ياميت في شمال سيناء وتسليمها أرضا محروقة إلى الشعب المصري.

من أرشيف جريدة الأخبار، حصلنا على تفاصيل منشورة من الباب الخاص بمصر من كتاب السفير موشيه ساسون، الذي خدم لمدة سبع سنوات في مصر، كثاني سفير إسرائيلي في القاهرة، والذي حلل من وجهة نظره تسلسل النزاع العربي الإسرائيلي، ويحكى ساسون عن الأسباب التي دفعت إسرائيل الى هدم مستوطنة ياميت في شمال سيناء وتسليمها أرضا محروقة إلى الشعب المصري الذي وقعوا معه للتو معاهدة السلام يقول ساسون في كتابه "بخلاف الفكرة السائدة لدى الشعب الإسرائيلي، لم يكن أريئيل شارون، هو الذي قرر في حينه هدم مستوطنة ياميت والمستوطنات الصغيرة المجاورة بعد إخلائها فقط.

إقرأ ايضا| ماذا قال السادات لأهل سيناء قبل تحرير الأرض؟

 كان القرار هو قرار رئيس الوزراء مناحم بيجن شخصيا ولم يكن أريئيل شارون سوى الشخص المكلف بتنفيذ أوامر الرئيسة الوزراء وهذه هي التفاصيل التي سمعتها آنذاك عام 1982 من رئيس الوزراء مناحيم بيجين قبل ثلاث أيام فقط من موعد الانسحاب عن باقي سيناء خط العريش رأس محمد، و العودة إلى الحدود الدولية".

وفي صباح 21 أبريل 1982 اتصل بي يحيئيل قديشاي سكرتير بيجن وكاتم أسراره، وأبلغني بأن رئيس الوزراء يريد التشاور معي شخصيا في أمر لا يتحمل التأجيل، فأخذت سيارتي على الفور وبعد ستة ساعات ونصف 518 كيلو كنت فيه بمكتب رئيس الوزراء بالقدس.

 سألني رئيس الوزراء دون أي مقدمات ماذا سيكون في تقديرك رد الرئيس مبارك إذا ما قررت هدن ياميت والمستوطنات الصغيرة المجاورة، ارتعدت في داخلي من مجرد الفكرة ومن الطريقة الحادة التي صاغ بها رئيس الوزراء سؤاله و سألته:ماذا حدث ألم نتفق مع المصريين على أن يدفعوا لنا 80 مليون دولار مقابل المباني في ياميت؟.. لماذا نعيد أرضنا محروقة لشعب وقعنا معه معاهدة السلام.

أجابني رئيس الوزراء أنه قبل ثلاث أيام بدأ وزير الدفاع في إخلاء أحد المستوطنات، لكن المستوطنين الذين تم إخلائهم عادوا وتسللوا في نفس الليلة عائدين إلى بيوتهم، واقتضى الأمر إخلائهم في اليوم الثاني من جديد لكن نفس المشهد أخذ يتكرر في كل ليلة وكان بيجن على قناعة تامة بأن المستوطنين سوف يعودون الكرة و يتسللون حتى بعد الانسحاب النهائي عن باقي سيناء في 25 أبريل.

وأنه لا شك ستقع حوادث حدودية خطيرة بين من تم إخلائهم وبين السكان المصريين الجدد الذين سيحلون محلهم، وهنا قال متجهما: أنا لم أوقع معاهدة السلام مع مصر لكي تقع حوادث حدودية، صحيح أن 80 مليون دولار راحت على خزانة الدولة لكن الحدود بيننا وبين مصر ستكون سالمة.. اتفقنا والتزمنا.. حدودا هادئة.. حدود سلام، وسوف نبدأ معا في بناء جيرة طيبة على جانبي الحدود.

قلت لرئيس الوزراء أن المصريين متحمسين للدخول إلى ياميت وإسكانها على الفور، فقد أتموا كافة الاستعدادات و الأتوبيسات والسكان الجدد في الانتظار.. وأضفت: نواياك طيبه سيدي رئيس الوزراء، لكن أعمالك سوف تفسر هناك بطريقة مختلفة، ولذلك فان نصيحتي الأولى إليك أرجوك لا تفاجئ القيادة المصرية ولا تضعها أمام الأمر الواقع و بصفة خاصة الرئيس مبارك ووزير خارجيته كمال حسن علي.

واقترحت عليه العودة فورا إلى القاهرة لكي احكي للمصريين مسبقا عما يزعم رئيس الوزراء عمله مع التأكيد على الاعتبارات الخاصة به و نواياه الحقيقية وأضفت بأنني إذا ما تلقيت الإذن بالعمل حسب اقتراحي فسوف أصيغ كلامي كقرار نهائي من رئيس الوزراء، فالهدف هو الجيرة والهدوء على الحدود، الأمر الذي يلزمهم أيضا بالعمل من أجله.

 قبل السيد مناحيم بيجين اقتراحي على الفور و أمرني بإبلاغه بصورة شخصية و عاجلة برد فعل المصريين، بعد محادثات في القاهرة قلت لبيجن سوف يصاب المصريون بخيبة أمل كبيرة وبالذات الرئيس وكمال، لكن كليهما سوف يفهمون على الفور اعتبارات  نواياك الطيبة، لكن كيف يعالجون الأمر أمام الشعب المصري، الأمر ليس سهلا.

 ولكن هذا شأنهم ما يهمنا هو إلا نفاجئ الرئيس ولا نضعه أمام الأمر الواقع وأن نوضح الهدف الحقيقي، يجب أن تحافظ على مصداقيتك أمام الرئيس مبارك.

 في اليوم الثاني كنت أجلس في مكتب كمال حسن علي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري وهو صديق حقيقي، أصيب بإصابات بالغة في حرب أكتوبر عندما كان قائد لسلاح المدرعات، وأحد مهندسي اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، إلى الجانب الرئيس السادات اعتمدت على ذكائه و نواياه الطيبة في نقل الرسالة إلى الرئيس فهو بالتأكيد يعرف كيف يفعل ذلك.