نبض السطور

خالد ميري
خالد ميري

حوار الـ ١٢ ساعة مع رئيس وزراء الأردن و٨ وزراء حول القضايا الساخنة

المؤامرات الخارجية تحطمت على صخرة صلابة ووعى الشعب والجيش المصرى

ندرس نقل النموذج المصرى فى التنمية.. وسويفت عربى فى الطريق

تطوير مناهج التعليم لتربية الأطفال إعلاميًا لمواجهة أكاذيب وخطر السوشيال ميديا

مصر أساس استقرار المنطقة.. وقمة الجزائر فرصة لتفعيل العمل العربى المشترك

الأزمة الاقتصادية فى بدايتها والأسعار تفلت ولا أحد يتوقع المستقبل

لم يكن يومًا عاديًا، فعلى مدار ١٢ ساعة متواصلة تنقلنا من لقاء إلى لقاء.. ومن حضرة رئيس وزراء الأردن د.بشر الخصاونة إلى لقاء ٨ وزراء، فى حوارات ساخنة وممتدة حول العلاقات المصرية الأردنية القوية والراسخة وحول قضايا الساعة فى المنطقة والعالم.
منذ وصولنا إلى مطار الملكة علياء فى العاصمة الأردنية عمان وكان العنوان البارز للزيارة هو حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والترحاب من الجميع، الضحكة التى تعلو الوجوه فى مواجهتنا.. وعلى مدار يومين كاملين رأينا بأعيننا التقدم الحقيقى للأردن الشقيق رغم صعوبة وقسوة الأزمات الاقتصادية، فالدولة التى لا يتجاوز عدد سكانها ١١ مليون نسمة ورغم التحديات الاقتصادية تواصل العمل ليل نهار بقيادة حكيمة للملك عبد الله الثانى لتبنى المستقبل الأفضل للشعب الشقيق، ورغم ما تشهده حدودها الملتهبة منذ ١١ عامًا من محاولات لتصدير الإرهاب والمخدرات وتهريب البشر لكن رجال أمنها كانوا بالمرصاد ليحافظوا على أمن شعبهم وحقه فى الحياة.


مظاهر العمران تنتشر فى كل مكان خاصة العاصمة عمان والتى يقطنها نصف الشعب الأردنى تقريبًا، الأردن التى تحتضن ملايين الفلسطينيين ومليونًا و٣٠٠ ألف سورى وجالية مصرية كبيرة.. يعيش فيها الجميع فى سلام وأمان وأخوة، والجالية المصرية محل ترحيب فى كل مكان فلها دورها البارز فى بناء المملكة وهى جزء حقيقى من نسيج المجتمع الأردنى، ولا نكاد نسمع عن أى مشاكل ولو فردية لأبناء الجالية، والحقيقة أن العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين الشعبين الشقيقين فى مصر والأردن ازدادت قوة وصلابة بسبب العلاقة الأخوية بين زعيم مصر الرئيس عبد الفتاح السيسى والملك الأردنى عبد الله الثانى حتى نكاد نشهد تنسيقًا كاملًا بين البلدين فى مواجهة كل القضايا الإقليمية والدولية.


اليوم الثانى للزيارة كان متميزًا فبدأ بلقاء وزير الإعلام وهو زميل صحفى فيصل الشبول وبعده لقاء مطول مع رئيس الوزراء د.بشر الخصاونة، ثم انتقلنا للقاء وزير الخارجية أيمن الصفدى، وبعدها جمعنا لقاء موسع على العشاء مع وزير الإعلام ووزراء الداخلية مازن الفرايه ، والتخطيط ناصر سلطان، والصحة د.فراس الهوارى، والعمل نايف زكريا، والاقتصاد الرقمى أحمد الهناندة، والشئون القانونية وفاء سعيد بنى مصطفى.. ودارت الحوارات خلال كل اللقاءات ساخنة حول قضايا المنطقة الملتهبة والعالم وأزماته الاقتصادية، وكنت بصحبة الزملاء الأعزاء علاء ثابت رئيس تحرير الأهرام ومحمود مسلم رئيس مجلس إدارة جريدة الوطن وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق وأكرم القصاص رئيس تحرير اليوم السابع وجمال الكشكى رئيس تحرير الأهرام العربى وأسامة عجاج مدير تحرير الأخبار وسليمان جودة الكاتب الصحفى.. وشاركنا اللقاءات والحوارات السفير المصرى الناجح والواثق فى الأردن السفير محمد سمير مرزوق.


فى لقاء رئيس الوزراء الأردنى كان الحديث صريحًا، تحدث د.بشر الخصاونة عن علاقة استثنائية تربط مصر والأردن قيادة وشعبًا فى السراء والضراء، مؤكدًا  تطابق المواقف فى مواجهة كل قضايا المنطقة والعالم، وأكد أن المؤامرات التى كانت تحاك للمنطقة تحطمت على صخرة صلابة ووعى الشعب والجيش فى مصر، وما حققته مصر من ٢٠١٤ مدعاة للفخر والحكومة الأردنية تدرس النموذج المصرى الناجح لتستفيد منه وتطبقه، فالعاصمة الإدارية الجديدة فخر للجميع والأردن تدرس بناء مدينة جديدة.. وقال إن شبكة الطرق بمصر أصبحت مذهلة، وتحدث عما تواجهه الأردن من بطالة تتجاوز ٢٢٪، والخطة الاقتصادية لعشر سنوات قادمة لتوفير مليون فرصة عمل ومواجهة العجز فى الموازنة.


وردًا على أسئلتنا أكد أن مصر والأردن تربطهما آلية ثنائية للتعاون وآلية ثلاثية للتعاون مع العراق وآلية رباعية مع الإمارات والبحرين وهى تكتلات جامعة ولا تمنع انضمام دول عربية أخرى إليها وتحقق مصالح الجميع، وأكد أنه بغياب الحل العادل للقضية الفلسطينية لن يحدث استقرار بالمنطقة، وأن أزمتى كورونا والحرب الأوكرانية أثرتا سلبًا على اقتصادات العالم والمنطقة وأن الدول العربية بحاجة لمنظومة أمن غذائى إقليمى، وهناك آلية للتعاون بين البنوك المركزية العربية ليكون نواة لنظام سويفت عربى لنقل الأموال.. وأكد أن الإرهاب مازال موجودًا والجيش الأردنى يواجه خطرًا جديدًا على الحدود لمحاولة تهريب المخدرات والأشخاص وأنه ناجح فى ذلك.
وكان لقاء وزير الإعلام فيصل الشبول لا يقل صراحة فأكد أن الأردن يعيش ما يشبه حالة الحرب منذ ١١ عامًا فى مواجهة الإرهاب وتهريب المخدرات بطول حدوده مع سوريا وهى ٣٧٠ كيلومترًا.. وقال إن الأردن تستشعر خطراً كبيراً فى القضية الفلسطينية وتمارس دورها فى دعم الأشقاء بفلسطين. وأكد أنه تاريخيًا فمصر هى الصوت الأساسى بالمنطقة وعندما تقوى يقوى كل العرب واللقاء الأخوى بالعلمين الذى جمع قادة مصر والأردن والإمارات والبحرين والعراق كان صوتًا للعقل والتعاون وتهيئة الأجواء المناسبة لنجاح القمة العربية القادمة بالجزائر.


وأجاب على أسئلتنا بأن وزراء الإعلام العرب يستشعرون خطرًا شديدًا من وسائل التواصل الاجتماعى على مجتمعاتنا وعلى وسائل الإعلام المختلفة، فهم ينهبون سوق الإعلانات ويلعبون على العواطف ويمثلون خطرًا على المجتمعات، مؤكدًا أن فوضى السوشيال ميديا عارمة والعرب فى حاجة لتحالف لتوقيع اتفاقات تحفظ الحقوق مع شركات التواصل، ولكنه أكد أن حجم الأكاذيب على السوشيال ميديا يمنح فرصة لوسائل الإعلام المهنية فى كسب الرأى العام.


وأشار إلى أن الأردن دخلت المئوية الثانية بإصلاح سياسى بدأ بتعديل الدستور والقوانين لتقوية الأحزاب على طريق تشكيل حكومات حزبية مع ضمان حقوق المرأة والشباب وذوى الإعاقة، وإصلاح اقتصادى بخطة لعشر سنوات وإصلاح إدارى لمواجهة ترهل الجهاز الإدارى، وقال إن الإخوان فى الأردن يمارسون السياسة من حزبهم وليس لهم سوى ٥ نواب بالبرلمان والقانون والدستور نافذ عَلى الجميع.
بعدها كان اللقاء مع وزير الخارجية أيمن الصفدى الذى أكد أن علاقة مصر والأردن متميزة واستراتيجية وفى أحسن أحوالها، وأن التنسيق والتعاون والاتصالات لا تنقطع حول كل القضايا الإقليمية والدولية.. ومصر سند وعمق الأردن وكذلك الأردن سند لمصر وأنهم يثمنون دومًا دور مصر لبناء مستقبل أفضل لكل المنطقة، وأكد على الحاجة لتفعيل العمل العربى المشترك وأن اللقاءات الأخيرة للقادة العرب تؤكد رغبتهم فى تحقيق ذلك، وللوصول لإرادة عربية فى مواجهة أزمات الدول العربية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وأن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال أجندة محددة فى القمة العربية القادمة بالجزائر، فهناك إدراك جماعى لأهمية تطوير آليات العمل العربى وأن اختلاف الأولويات لا يعنى تضارب المصالح، كما أن القضية الفلسطينية هى أساس الصراع وحلها مفتاح السلام ولا يمكن القفز فوقها، وأكد أن عودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول يحتاج قرارًا عربيًا جماعيًا كما حدث عند تجميد عضويتها.


وقال إن الأردن والدول العربية تواجه تحديات من الإرهاب والبطالة وفرص العمل والغذاء والمياه والمناخ وكلها قضايا تحتاج لعمل عربى مشترك، ومصلحتنا جميعًا الحفاظ على استقرار العراق وندعو الجميع هناك إلى التوصل إلى حل لتشكيل حكومة والمضى فى البناء والحفاظ على الاستقرار.


وكان ختام اليوم الطويل والشاق والممتع مسكًا بحوار ممتد على مائدة عشاء مع وزراء الداخلية والإعلام والتخطيط والشئون القانونية والعمل والصحة والاقتصاد الرقمى، حيث اتفق الجميع على العلاقات الوثيقة التى تجمع مصر والأردن على مستوى القيادة والشعبين، وأكدوا أنه يجرى تحديث المناهج فى الأردن لتعليم الأطفال الإعلام لمساعدتهم على مواجهة أكاذيب السوشيال ميديا وتبنى قيم احترام اختلاف الآراء واحترام الآخر، كما يجرى نقل التجربة المصرية فى قوانين الاستثمار وتمكين المرأة والشباب مع منح حصانة خاصة للمستثمرين عند تعديل القوانين.. كما كان الاتفاق واضحًا على الدور التاريخى للعمالة المصرية فى بناء المملكة والتى تحولت لجزء من نسيج المجتمع الأردنى، والتأكيد على تداعيات وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصادات العالم ودول المنطقة مازالت فى بدايتها والأسعار بدأ زمامها يفلت فى كل دول العالم، ولا أحد يمكنه أن يتوقع ماذا يمكن أن يحدث فى المستقبل.


انتهت الزيارة بذكريات لا تنسى من حفاوة الضيافة ولقاءات ثرية حول كل القضايا، وتأكيد ما لا يحتاج إلى تأكيد بأن ما يجمع مصر والأردن هو التاريخ والجغرافيا والدين واللغة والعلاقات الوثيقة بين القادة والشعبين، وبرغم كل التحديات تظل إرادة الشعوب قادرة على التغلب على كل الصعاب والسير إلى المستقبل بثقة ونجاح.