كنوز| 7 سنوات على رحيل نور الشريف الحاضر الغائب «نور الفنون»

الأيقونة نور الشريف  --  نور الشريف عندما كان يحاور محمد حسنين هيكل
الأيقونة نور الشريف -- نور الشريف عندما كان يحاور محمد حسنين هيكل

عام يمضى بعد عام، 7 أعوام مضت منذ أن ودعنا النجم «الأيقونة» الذى تعودت أن أناديه بلقب «نور الفنون» الذى يحمل فى شهادة ميلاده اسم «محمد جابر محمد عبد الله»، ويحمل فى سماء السينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون اسم الشهرة «نور الشريف» الذى اختارته له شقيقته عندما قالوا له إن اسم محمد جابر غير فنى ولا يصلح للشهرة، وكان كلاهما يحب «عمر الشريف» فانتسب نور إلى اسم النجم المصرى العالمى. 

عرفته عن قرب لسنوات غير قليلة..

الصداقة التى جمعت بيننا لم تكن صداقة نجم شهير بصحفى فى بلاط صاحبة الجلالة، إنما كانت صداقة قائمة على المشاغبات الفكرية والسياسية من خلال «كنوز» ما هو منشور فى الصحف والمجلات التى أصفرت أوراقها، فماذا عرفت فى نور الشريف؟ 

إذا ما أردنا توصيفا دقيقا للقدير «نور الفنون» كحالة فنية وإنسانية وفكرية مؤثرة، فيمكننا أن نصفه بالمنتمى لمصريته وعروبته وقوميته وقضايا أمته التى كان يجاهر بها علنا، بالتصريحات التى يعلنها، والأفلام والمسرحيات والمسلسلات التى يقدمها فى مواجهة التيارات المتصارعة فى رؤاها السياسية والأيديولوجية فى الواقع العربى المشتت، ففى ذروة سياسة الانفتاح الاقتصادى التى بدأت مع عصر الرئيس السادات.

أنتج نور فيلم «زمن حاتم زهران» لفضح المعادلة السياسية الجديدة التى تلتهم حقوق الغلابة فى ظل ما عرف بعد ذلك بالعولمة غير العادلة التى تروج لها الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما أنتج فيلم «ناجى العلى» تعرض لأكبر حملة من النقد والتشهير والطعن من أقلام جندت نفسها للسخرية منه بهدف سحقه وقتله معنويا وشعبيا، وأمام حالة التمزق العربى والمحاولات المفضوحة لتهويد القدس كانت صرخته مدوية فى مسرحية «لن تسقط القدس» التى هز بها وجدان الشعوب العربية، وأطلقت الدعاية الصهيونية سهامها نحوه لتشوه صورته وسمعته.

لم يكن نور الشريف منعزلا برأيه أو فنه عن القضايا السياسية التى تؤرق مصريته وعروبته، وبرغم أنه كان يجاهر بناصريته وحبه للزعيم جمال عبد الناصر إلا أنه لم يكن مغيبا بهذا الحب عن واقع ومرارة هزيمة يونيو 67 التى كسرت كل المثقفين، فواجه الناصريين بفيلم «الكرنك» فاضحا الممارسات التى أدت للهزيمة، فكان كما السائر عكس الإتجاه وعاشت أعماله فى صدام دائم مع الرقابة والسلطة.

عرفت «نور الفنون» المنتمى لثوابته ولم يتاجر بناصريته مثلما فعل البعض، فلم يكن متحيزا ولا متحزبا لكنه كان يحكم على المشهد بالظروف الدولية والإقليمية التى أحاطت به، ومن سماته أنه لم يتحول وظل مؤمنا ومجاهرا بحق الإنسان فى الحرية، وحقه فى كسر قيود التخلف التى تشده إلى الوراء، وحقه فى رفض القهر والهيمنة، فظل يحرض المثقفين والفنانين على رفض التطبيع مع دولة الاحتلال.

ومن يريد أن يعرف نور الشريف المثقف الموسوعى عليه بالعودة إلى الحوار المطول الذى أجراه مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى مجلة «نصف الدنيا» فكان ندا فى التحليل السياسى للكاتب الكبير وكلاهما ينتمى فكريا للناصرية.

كان من أشد المنتقدين للهيمنة الإمبريالية ومع ذلك منحته جامعة «ويلز» الدكتوراة الفخرية تقديرا لتاريخه ودوره الفنى وعمق تأثيره محليا وعربيا وعالميا، جاءت هذه الدكتوراة الفخرية لترد على الاتهامات الموجهة للعرب بأنهم جماعات بربرية همجية متطرفة، وترد على الدعايات المغرضة التى تتعمد اتهام الإسلام بالتطرف والإرهاب ولا تميز بين المارقين الذين يتسترون وراء الدين وحضارة العربى صاحب القوة الناعمة المتجسدة  فى فنانيه ومبدعيه ومفكريه ومثقفيه وعلمائه. 

عرفت فى نور الشريف الإنسان شهامة أولاد البلد، لا ينكر فضل أحد عليه، عندما يتحدث عن أساتذته تقرأ فى عينيه ما يكنه لهم من تقدير وإجلال، ساند أستاذه نبيل الألفى فى عز مرضه ولم يتباه بذلك، نور الشريف يبهر من يعرفه بمخزونه الثقافى وسعة اطلاعه ولباقته فى الحديث، مستمع جيد، مؤمن بحرية الاختلاف، يغضب من النقد غير البناء، ووراء «نور الفنون».

ابن حى السيدة زينب الدينى الشعبى رحلة كفاح عانى خلالها من الإحباط وذاق فى مشواره الطويل الثرى حلاوة التألق والنجاح، وبقى أن أقول إن بداية معرفتى بنور الشريف الزملكاوى العتيد كانت عندما أجريت معه حوارا لمجلة «الزمالك».

ولو لم يكن نور قد سار فى طريق الفن لكان واحدا من نجوم كرة القدم الكبار، لكن القدر غير مساره ليهبنا فنانا له خصوصيته التى حجز بها مقعده مبكرا فى سماء القمة، رحم الله «نور الفنون» الذى أسعدنا بروائعه وشخصيته وثقافته وتميزه وتفرده. 

اقرأ أيضا

كنوز| أحمد بهاء الدين يوجه سهامه للصاوي وأمير الصحافة!