محمود الوردانى يكتب : نوادى الإجرام وشركات القَتَلَة «2- 2»

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]


كنت قد اختتمتُ الجزء الأول من مقالى عن رواية «المتآمرون» للكاتب الكورى المعاصر كيم أون سون ترجمة محمد نجيب وصدرت عن دار المحروسة، بالإشارة إلى أن الكاتب لم يقدّم مجرمين وقتلة فحسب، بل قدّم بشرا يحبون ويكرهون، وفى الوقت نفسه قدّم عالما شبه مواز من البشر العاديبن غير المتورطين فى عالم الجريمة، وربما كان من بين نجاحات هذه الرواية صياغة العلاقات الإنسانية، ومن بينها طبعا علاقات الحب والغرام، واحتلالها مكانا فى نسيج العمل الروائى دون إقحام أو تزيد.


 ومن بين نجاحات الرواية أيضا إدراك الكاتب أن القتلة والمجرمين ومحترفى الاغتيالات ليسوا أحرارا على الإطلاق، بل هم جزء من آلة ضخمة. يشير الكاتب على سبيل المثال إلىأن الإطاحة بثلاثة عقود من الديكتاتورية والإرساء السريع للديمقراطية- فى كوريا الجنوبية طبعا- أدى إلى ازدهار كبير فى صناعة الاغتيالات.

ففى ظل الديكتاتورية كانت الاغتيالات عمليات خفية تنّفذ سرا  من جانب عدد محدود من المتآمرين، بل أن الرواية تبدأ بتنفيذ أمر باغتيال أحد كبار ضباط الجيش، الذى أمضى سنوات طويلة من حياته يقوم بتكليف القتلة بتنفيذ أوامر الاغتيال، حتى صدر أمر بتصفيته بعد أن أدى الأدوار المنوطة به.


وبعد أن حلّت البركة وتحققت الديمقراطية، تسارعت وتيرة صناعة الاغتيالات أيضا، فالسلطة هى السلطة، وكما قال دنج شياو بينج ذات مرة حسبما ذكر المؤلف، ولايهم إذا كانت القطة سوداء أو بيضاء طالما أنها تصطاد الفئران.


ولجأت السلطة الجديدة تجنبا للفضائح إلى المقاولين والوسطاء، وفى حالة فشل أى عملية فإن الحكومة تظل بمنأى عن الشبهات. وفى هذا السياق تكونت شركات خاصة تعمل فى هذا المجال.

ودخل الشباب الجدد على الخط، مثل السيد هانجا الذى تشغل شركته للاغتيالات عدة طوابق من أعلى بناية فى عاصمة كوريا الجنوبية، ويعمل وفق أحدث وأدق برامج التكنولوجيا الجديدة ويسيطر بمفرده على أغلبية الصناعة والعمليات فى البلاد.


وعندما يقترب موعد الانتخابات العامة فى البلاد تحدث الفوضى، وتتوه قواعد اللعبة، فالكل يريد أن يسارع للفوز بأكبر جزء من الكعكة، ويظهر على السطح إلى أى مدى هناك أوراق وأسرار.

وعلى سبيل المثال فإن الدكتور كانج، أحد أرفع الشخصيات العاملة فى السلك القضائى، لديه معلومات عن المؤامرات التى يعود تاريخها إلى عشرين سنة، وأبطالها ماتوا دون أن يتركوا وراءهم أثرا.

إلى جانب ذلك، يحتفظ كانج فى خزانته بسجلات لمعاملاته مع السياسيين ورجال الأعمال وسماسرة القتل، وكلها أوراق موثقة قضائيا ويستطيع بواسطتها، هو ومن يعمل معهم، أن يقضموا قضمة لايستهان بها من كعكة السلطة


وعشية الانتخابات أظهر كانج جانبا مما فى حوزته، فصدر الأمر بتصفيته على الفور والحصول على أوراقه، لتكون هذه العملية هى العملية الأخيرة التى ينهى بها الكاتب عمله الروائى.
وهكذا فإن القارئ أمام نوع مختلف من أعمال الرعب والجريمة. فليس هناك رعب مجانى أو غموض مفتعل أو ألعاب الإثارة التى تقطع الأنفاس.

ربما كان الكاتب مولعا إلى هذا الحد أو ذاك بأن يضيف إلى عمله ما يتيسر من مشاهد القتل والطعن والذبح، لكن الرواية تحتمل هذا القدر تحديدأ خصوصا وأنه يجرى فى سياق الحياة العادية بكل مافيها من هزائم ومخاوف وتهديدات.

اقرأ أيضا | محمود الوردانى يكتب | فى رحلة إلى مهد الإنسانية