مدرسة أخبار اليوم.. من «البدروم» إلى الدور العاشر والعكس

الأستاذ الراحل موسى صبري
الأستاذ الراحل موسى صبري

في أحد الأيام أمسك الكاتب الكبير الراحل موسى صبري قلمه مسطرًا مجموعة من السطور التي تروي قصته مع أخبار اليوم.

 

وقد كتب موسى صبري يقول: قبل أن أصبح محررا في أخبار اليوم في أول يناير عام 1950 اشتغلت مندوبا خاصا لمصطفى أمين في معتقل الزيتون وسجن الأجانب ومعتقل المنيا لمدة سنة كاملة عام 1943.. كان رئيسا لتحرير مجلة «الاثنين» وكنت أرسل له خطابا كل أسبوع عن زملائي المعتقلين.

 

ولما هرب خمسة من المعتقلين من معتقل الزيتون مع أنور السادات المعتقل وكنت واحدا منهم.. كان مصطفى أمين هو الصحفي الوحيد الذي يعرف من رسائلي المهربة إليه خطة الهرب السرية ومفاجآت القبض علينا بعض الهرب وتوزيعنا على سجن الأجانب ومعتقل المنيا.

 

وقابلت مصطفى أمين بعد الإفراج عني وكان قد كتب عني مقالا بتوقيع «ابن البلد» رفعني فيه إلى صفوف النابغين لأنني تخرجت في كلية الحقوق وعمري 18 عاما و8 أشهر ولكنه لم يعرض علي أن أعمل في أخبار اليوم.

 

وكانت الصحيفة وقتها على وشك الصدور وكنت أتمنى العكس ولكنه تجاهل أحلامي فقررت أن أثبت وجودي كصحفي خارج أخبار اليوم هذه الشابة المصرية الجميلة الساحرة التي تحقق انتصارات مذهلة صباح كل سبت واستطعت أن ألفت نظر «ابن البلد» ودعاني للعمل في أخبار اليوم بعد سبع سنوات.

 

اقرأ أيضًا| «70 سنة أخبار».. مصطفى أمين يكتب: كيف أصدرنا جريدة «الأخبار»؟

 

كان دخول هذه الدار هو شهادة الميلاد التي يحلم بها أي هاو أو محترف للصحافة، وكان ظهور اسم صحفي بها تحت الخبر أو التحقيق الذي كتبه هو شهادة الليسانس، وكان السماح بتوقيع الصحفي بكليشيه وسط التحقيق أو المقال هو شهادة الدكتوراه.

 

إن قانون مدرسة أخبار اليوم هو أن يبدأ طلبتها من البدروم حتى لو كانوا يحملون ليسانس الحقوق مثلي.. وبدأت من البدروم عندما قدمني مصطفى أمين إلى علي أمين وكنت أرى السندباد البحري لأول مرة في حياتي لم يرحب بي لم يدعني للجلوس للتحدث معي لم يتمن لي السعادة في عملي الجديد بل قال في لهجة آمرة على الفور «غدا تصدر آخر لحظة».

 

اذهب فورا إلى البرلمان نريد أخبارا لآخر لحظة قبل الساعة السادسة من مساء اليوم.. وعرفت أن هذا الإنذار معناه أن شهادة الميلاد التي منحها لي مصطفى أمين لابد أن يوقعها علي أمين .


وكان الوقت ظهرا وجريت إلى وعملت مخبرا برلمانيا لأول تجربتي الصحفية وعدت إلى علي أمين في الثانية بعد الظهر أي قبل موعد الإنذار بأربع ساعات، ولم تتغير قسمات وجهه أمامي عن أي شيء بل كلفني على الفور بعمل جديد راجع هذه الأخبار أكتب عنوانا جذابا لهذا الموضوع. 

 

حتى الصور تحتاج إلى عبارة ساخنة، ثم طلب مني أن أمر على جميع أقسام بوليس القاهرة لإسجل حوادث منتصف الليل ولم يبتسم في وجهي إلا عند الساعة الثانية صباحا بعد أن اشتغلت في اليوم الأول 14 ساعة أخبار بلا انقطاع .

 

وبعد عشرين عاما في العمل الصحفي لا تزال أخبار اليوم هي الترمومتر الذي أقيس به درجة ارتفاعي من بدروم أخبار اليوم، بحسب ما نشره في الأول من سبتمبر عام 1962.

 

إن كثيرا من الشخطات والغضبات أنزلتني من الدور العاشر إلى البدروم وكثيرا من الابتسامات انتشلتني من البدروم. هذه هي صحافة أخبار اليوم الصحافة المتطورة مع الأحداث ونمو المجتمع الجديد الصحافة التي لا تترك فرصة لتلاميذها أن يجلسوا على المقاعد المريحة في أي دور من أدوارها، إن مصاعدها دائمة الحركة ترتفع بالعارفين وتهبط بالخاملين تقتل في الصدور الغرور لا تبتسم لهم إلا عندما يلهثون .

 

المصدر : مركز معلومات أخبار اليوم