لدعم استمراره بالسلطة وإحراج إدارة بايدن

نتنياهو يبحث عن طوق النجاة في لبنان ويتطلع لمغامرات ببؤر جديدة

بايدن ونتنياهو
بايدن ونتنياهو

■ كتب: أحمد جمال

تأخذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في التمدد مع اتساع رقعة الصراع بين جيش الاحتلال الإسرائيلى وقوات «حزب الله» فى جنوب لبنان، وسط مؤشرات تشى بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يبحث عن حبل إنقاذ عبر إطالة أمد الحرب وارتكاب جرائم جديدة بحق الأبرياء تضمن له استمرار الدعم الأمريكى  وتفك تعقيدات عملياته العسكرية التى فشلت بتحقيق أهدافها في قطاع غزة، وهو ما يجعل المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط بل والعالم أجمع فوق فوهة بركان قد يقضى على الأخضر واليابس فى حال تحولت إلى حرب شاملة بين إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب وبين إيران وحلفائها على الجانب الآخر.

شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على «وجوب ألا يصبح لبنان غزة أخرى»، منددا بالخطاب العدائى لإسرائيل وحزب الله والذى «يثير مخاوف من كارثة لا يمكن تصورها».

وقال جوتيريش فى تصريحات إعلامية: «لنكن واضحين لا يمكن لشعوب المنطقة ولشعوب العالم أن تسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى»، وأضاف: «أشعر بأننى مضطر اليوم إلى التعبير عن قلقى البالغ حيال التصعيد بين إسرائيل وحزب الله على طول الخط الأزرق الذى رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل إثر انسحاب الجيش الإسرائيلى العام 2000»، مشيراً إلى أن التصعيد فى التبادل المستمر للقصف وكذلك تصعيد الخطاب العدائى لدى الجانبين كأن حربا شاملة باتت وشيكة.

◄ الجبهة الأخرى

وتتماشى تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة مع التحولات الآخذة فى التطور على مسار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، إذ إن إسرائيل سبق وأن أعلنت «هدنة تكتيكية للعمليات العسكرية»، وبغض النظر عن الخلاف الداخلى بإسرائيل حول هذه الهدنة وكيفية ظهورها للنور ومدى الالتزام بها لكنها عدت مؤشرا على أن هناك جبهة أخرى قد تأخذ الاهتمام الأكبر، وهو ما تزامن مع ما أعلنته هيئة البث الإسرائيلية والتى أشارت إلى احتمالات الانتقال للعمليات النوعية بدلاً من الغارات المكثفة وإمكانية الانسحاب من بعض المناطق.

ودائما ما تلجأ إسرائيل إلى تخفيف وتيرة عملياتها العسكرية فى غزة كلما انشغلت بالتعامل مع التهديدات التى تقابلها على جبهات أخرى وحدث ذلك فى أثناء التصعيد بينها وبين طهران قبل أكثر من شهرين، إذ عمدت عقب انتهاء الضربات المتبادلة إلى أن تبدأ مرحلة جديدة من التصعيد عبر الاتجاه إلى رفح الفلسطينية، وكذلك الوضع حينما تتصاعد الضربات من جانب حزب الله.

وفى شهر أبريل الماضي، أعلن جيش الاحتلال أنه استكمل مرحلة أخرى فى إطار استعداداته للحرب عند الحدود الشمالية مع لبنان حيث يستمر القصف المتبادل مع حزب الله، بينما قال إنه سحب كامل قواته من جنوبى قطاع غزة، موضحاً أن هذه التدابير اللوجستية تسمح بـ»التجنيد الفورى لقوات الاحتياط عند الطوارئ ووصولها إلى خط الجبهة خلال فترة وجيزة مع كافة المعدات اللازمة للقتال».

◄ اقرأ أيضًا | خبير بالشئون الأمريكية: نتنياهو الرابح الأكبر من مناظرة بايدن وترامب

◄ مستقبل غزة

ويبرهن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال تصريحاته التى أدلى بها مؤخراً وتطرقت إلى رؤيته لمستقبل قطاع غزة عقب الحرب على أنه أصبح لديه أولويات أكبر من مجرد استجماع قواه العسكرية فى القطاع، وأنه أصبح يتطلع لمغامرات أخرى فى بؤر جديدة لأهداف تتعلق باستمراره فى السلطة ومضيه قدمًا فى إحراج إدارة بايدن التى لن يكون فى صالحها توسيع دائرة الصراع فى عام الانتخابات، ومغازلة صديقه المقرب دونالد ترامب الذى قد يصل إلى السلطة مجدداً بنهاية العام الجارى.

ورغم أن رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف لمستقبل القطاع تبدو مجرد أحلام يقظة لاستحالة تنفيذها فى ظل الخسائر التى تُمنى بها قواته يوميًا، غير أن دلالاتها تشى بأنه يسعى للتغطية على هذه الخسائر بكافة السبل الممكنة، ويحاول بشكل مستمر بعثرة الأوراق على الأرض ليضمن تسريع وتيرة تدفق الدعم الأمريكى  إليه من جانب، ولمزيد من إشغال الرأى الداخلى الإسرائيلى عن مسألة محاسبته على عملية «طوفان الأقصى» التى كشفت عن هشاشة دولة الاحتلال.

ووضع نتنياهو، تصوراً من 4 نقاط لمرحلة ما بعد الحرب فى غزة، تشمل «نزع السلاح بشكل مستدام»، وإدارة مدنية للقطاع، وتصحيح الأفكار التى وصفها بأنها «متطرفة»، إلى جانب إعادة الإعمار، وادعى فى الوقت ذاته «أن الحرب التى تخوضها إسرائيل فى غزة والتصعيد فى الجبهة الشمالية هما ضد المحور الإيرانى»، مشددا على ضرورة استمرار الدعم الأمريكى  لتنجح إسرائيل فى البقاء.

وقال الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير في الشئون الدولية، إن إسرائيل لديها رغبة فى فتح جبهة جنوب لبنان بعد أن تعثرت فى غزة، ولم يعد أمام الاحتلال مجــــال لشن مزيد من العمليات العسكرية على الأرض ويسعى نتنياهو فى المقابل للبقاء فى السلطة ويهدف لضمان الحصول على دعم الولايات المتحدة واستعادة قدرة الردع التى فقدها مع توالى الخسائر التى تلقاها من المقاومة الفلسطينية فى غزة، مشيراً إلى أن المظاهرات التى نفذها المستوطنون الإسرائيليون ضد حكومة نتنياهو ورغبتهم فى العودة إلى مناطقهم الشمالية يدفع نتنياهو إلى الدخول فى مغامرة لبنان بحيث يظهر أمام الرأى العام الداخلى بأنه حقق إنجازاً يستحق الثناء عليه حال عودتهم.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ موقفًا معارضَا من توسيع دائرة الصراع وتخشى من تحولها إلى حرب إقليمية كبرى لا ترغب فيها بالوقت الحالي، وتوجه مزيدا من التحذيرات لإسرائيل يفيد بامتلاك حزب الله أسلحة قوية قد تواجه القبة الحديدة صعوبات فى صدها والتعامل معها.

◄ سيناريوهان للحرب

وشدد على أن هناك رأيين فيما يتعلق بتوسيع الحرب فى لبنان داخل إسرائيل، الأول يدعم نتنياهو ويؤكد بأنه ماضٍ فى طريقه نحو فتح جبهة لبنان، والثانى يقترب من الرفض الأمريكى  وهناك انقسام بين صناع القرار فى دولة الاحتلال قد يفضى لتوسيع محسوب فى العمليات ضد حزب الله وفق قواعد اشتباك جديدة دون الانتقال لمفهوم الحرب الشاملة مع لبنان.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستساند إسرائيل حتى لو دخلت حربًا لا تريدها، ولن تتخلى عنها وهناك التزام دستورى واستراتيجى تجاهها، غير أن فتح المعركة مع لبنان يمهد لدخول إيران والعراق والجماعات المسلحة فى سوريا واليمن على خط الصراع، وهو ما تحذر منه دوائر صنع القرار الأمريكية التى لا تقبل بحرب موسعة فى سنة انتخابية خاصة فى منطقة كبيرة تعج بصراعات قديمة وقد يحدث اختلاط فى الأوراق لا يتماشى مع الحسابات الأمريكية وأن بعض الدول قد لا تكون على الحياد فى تلك وستكون منخرطة فى الصراع.

وأشار الباحث فى الشئون الدولية، هانى الجمل، إلى أن مغامرات رئيس الوزراء الإسرائيلى تزداد يومًا تلو الآخر رغم التحذيرات الأمريكية والفرنسية، وأن تقديم نتنياهو لنفسه كزعيم شعبوى مع توالى الهجمات الصاروخية من جانب حزب الله على الشمال الإسرائيلى وضعه فى مأزق كبير وهو ما دعم الاتجاه لتوسيع دائرة الحرب فى لبنان وهو قرار جرى اتخاذه من مجلس الحرب قبل حله وكذلك من مجلس الوزراء، وهناك تنسيق بين نتنياهو ووزير الدفاع جالانت لإقرار خطة عسكرية لتمريرها.

◄ إطالة أمد الحرب

وأكد أن خطوات نتنياهو تضع فى حسبانها وجود فراغ رئاسى فى لبنان يسمح بنجاح الضربات ضد حزب الله فى ظل عدم وجود توافق بين الكتل السياسية وصعوبة التوحد حول دعم حزب الله وبالتالى سيكون منفرداً فى مواجهة إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن نتنياهو يتحفز لدخول حرب أوسع لتأكيد قدرته على حماية المستوطنين وحماية الدولة اليهودية من وجهة نظره، إلى جانب مساعيه لإطالة أمد الحرب حتى الوصول إلى موعد الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل وفى حال نجاح حليفه دونالد ترامب فإن ذلك يضمن التوافق بينه وبين اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة.

وشدد على أن هناك تساؤلات عديدة حول قدرات حزب الله العسكرية بما يمتلكه من مسيرات وأسلحة متطورة وقدرته على التعامل مع آلة الحرب الإسرائيلية ومدى جدية تفويض عناصر المقاومة فى العراق وسوريا واليمن، إلى جانب ردة فعل إيران التى تنشغل بانتخاباتها الرئاسية ومدى قدرتها على دعم محور المقاومة وبخاصة حزب الله مثلما كان الوضع فى حرب العام 2006 إذ يعد ذلك بمثابة التزام إيديولوجى.

وأوضح أن نتنياهو لديه أهداف خفية قد تتمثل فى إحراج إدارة الرئيس الأمريكى  جو بايدن والضغط عليه لإمداده بمزيد من صفقات الأسلحة وإقحام الولايات المتحدة فى هذه المعركة وهو ما يظهر من خلال نقل حاملات الطائرات وبعض القطع البحرية من البحر الأحمر إلى المتوسط، مع إدراكه بوجود ضغوطات قوية يقودها اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة.