فرص وقف الحرب تتراجع ومؤشرات اتساع الصراع بالمنطقة تتصاعد

«مجزرة النصيرات».. مرحلة فاصلة في العدوان على غـزة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: أحمد جمال 

تشكل المجزرة التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي فى مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة، مطلع هذا الأسبوع، وما ترتب عليها من سقوط مئات الضحايا بين الشهداء والجرحى ووصول إسرائيل إلى أربعة من الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس وتحريرهم نقطة فاصلة فى الصراع الدائر منذ أكتوبر الماضي، إذ يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرف بنيامين نتنياهو تصوير ما حدث على أنه انتصار لرؤيته المعلنة بشأن أهداف الحرب الدائرة وهو ما يدفع باتجاه إطالة أمدها وتمددها دون الالتفات لجهود التوصل لاتفاق هدنة مع الفصائل الفلسطينية بالقطاع.

ونفذت قوات الاحتلال مجزرة تعد من بين المجازر الأكثر بشاعة فى غزة منذ اندلاع الحرب، السبت الماضي، بعد أن استهدفت مخيم النصيرات ما أدى إلى استشهاد 250 شخصا وإصابة أكثر من 400 آخرين، وذلك تزامنًا مع استهداف عدد من مدارس الأونروا التى احتمى بها أهالى غزة من بطش الجرائم الإسرائيلية التى لم تتوقف على مدار تسعة أشهر، وفى ظل أوضاع إنسانية صعبة للغاية مع خروج غالبية مستشفيات القطاع عن الخدمة وتراجع دخول المساعدات الإنسانية مع إصرار الاحتلال على التواجد قرب بوابة معبر رفح من الجانب الفلسطيني.

وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تصوير ما حدث أثناء المجزرة على أنه انتصار له، بعد أن تمكنت قواته بمساعدة عناصر عسكرية أمريكية من تحرير أربعة من المحتجزين لدى حركة حماس، وهو أمر أثنت عليه الولايات المتحدة الأمريكية التى شاركت فى العملية بما يشير إلى أن الاتجاه نحو تنفيذ مزيد من العمليات المشابهة للضغط على حركة حماس بنحو أكبر قد يستمر خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعزز التوجه نحو إطالة أمد الحرب مع غياب كافة أشكال الثقة من جانب الفصائل الفلسطينية تجاه الولايات المتحدة التى تعلن مشاركة قواتها فى ارتكاب جرائم ضد الأبرياء فى غزة.

◄ ضغوط دولية
ويتفق متابعون على أن مجزرة النصيرات التى جاءت فى وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على حركة حماس وإسرائيل للوصول إلى هدنة يشير إلى أن الجدية فى الوصول لاتفاق ينهى الحرب ويقود لتبادل الأسرى ويفتح الباب أمام إعادة الإعمار غير موجودة فى الوقت الحالى على الأقل من جانب إسرائيل، وأن مواقف الولايات المتحدة تبدو أكثر ضبابية وسيكون من الصعب عليها الضغط لوقف الحرب وهى تساند عمليات إسرائيل العسكرية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام إمكانية تمدد الصراع على نحو أكبر فى شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان فى الجنوب اللبنانى مع احتمالات دخول حركات مسلحة محسوبة مدعومة من إيران على خط الحرب.

ويعد وصول وزير الخارجية الأمريكى إلى المنطقة هذا الأسبوع لزيارة مصر والأردن وإسرائيل وقطر، بهدف وقف إطلاق النار بمثابة جرى فى المكان ولا يعول المحللون الذين تواصلنا معهم فى هذا التقرير لأن تسفر عن تقدم ملحوظ فى ظل التصريحات الإسرائيلية المتتالية عقب مجزرة النصيرات والتى تقلل من فرص الوصول لاتفاق فى الوقت الحالي.

وقبل ما يقرب من أسبوعين أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن عن خطة من 3 مراحل لإنهاء الحرب فى غزة، وقال إن المرحلة الأولى من المفترض أن تستمر 6 أسابيع وتشمل وقف إطلاق النار على نحو كامل وشامل وانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة بالقطاع، وإطلاق سراح عدد من الرهائن من النساء وكبار السن والجرحى فى مقابل إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين.

◄ اقرأ أيضًا | الاحتلال يقتحم باحات الأقصى خلال صلاة الجمعة ويعتدي على المصلين

◄ أكرم: الضغط يتضاءل مع اقتراب الانتخابات الأمريكية

◄ مسار الحرب
وقال الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني، أكرم عطا الله، إن المجزرة البشعة التى ارتكبتها إسرائيل فى النصيرات لكى تفرج عن أربعة محتجزين لا يمكن وصفها بأنها إنجاز أو تطور إيجابى لصالحها فى إطار حرب كبيرة وفى ظل سيطرتها الشاملة على القطاع، ومن الطبيعى بعد ثمانية أشهر من الحصول على معلومات من خلال متعاونين أرضيين أو عبر التواصل أو المراقبة التكنولوجية أن تصل إليهم، ويبقى حدثًا غير مهم وليس من المتوقع أن يغير من مسار الحرب الحالية.

لكنه أشار فى الوقت ذاته إلى أن المجزرة الإسرائيلية وما ترتب عليها قد يمنح نتنياهو بعض القوة فى مواجهة خصومه، إذ إنه سيؤكد على أنه قادر على إعادة الأسرى بالقوى وأن إسرائيل عليها أن تدفع ثمن ذلك من خلال إطالة أمد الحرب، وفى المقابل فإن الأمر ستكون له انعكاساته على مفاوضات تبادل الأسرى التى سوف يصعب تنفيذها، بخاصة أن الولايات المتحدة مع تقدم الزمن والاقتراب بشكل أكبر نحو إجراء الانتخابات الرئاسية تفقد قوتها لأن المرشحين سيكونون بحاجة إلى المال اليهودى كما أن نتنياهو لن يقدم هدايا مجانية إلى بايدن وينتظر إلى أن يأتى دونالد ترامب إلى رأس السلطة ليقدم له ما يحلو له من هدايا.

وشدد على أن موقف حركة حماس قبل عملية النصيرات هو ذاته بعدها لأنها لايزال لديها 120 أسيراً بين أحياء وأموات وغياب الأربعة لن يغير كثيراً فى المعادلة لكن فى السياق العام فإن الحركة لن يبقى لديها القوة التى تفرض بمقتضاها اتفاق وقف إطلاق النار على إسرائيل، لافتَا إلى أن التشكيك فى مواقف الولايات المتحدة تطرح كل السيناريوهات المتشائمة بشأن موقفها من التدخل فى الحرب عبر إنشاء الرصيف البحرى والذى سيكون بوابة للتهجير أو السيطرة الأمريكية على القطاع مع نوايا إقامة قاعدة أمريكية على ساحل البحر المتوسط، فيما تتراجع فرص تحويل الرصيف إلى أداة لإدخال المساعدات الإنسانية.

وأكد المحلل السياسى مصطفى السعيد، أن مشاركة الولايات المتحدة بشكل علنى فى مجزرة النصيرات يبدد أى مساع لإنجاح خطة بايدن لوقف الحرب، لأن الموقفين يتعارضان معاً، ما يبرهن على حجم الارتباك الأمريكى ويضع علامات استفهام عديدة أمام جدية موقفها، وليس من المنطقى أن يخرج الرئيس الأمريكى للحديث عن عملية آمنة لتحرير أربعة محتجزين فى مقابل مقتل وإصابة 600 آخرين، وكأنهم لا قيمة لهم، مشيراً إلى أن إسرائيل سوف تتجه نحو الخيار الأصعب والمتمثل فى محاولة الإفراج عن باقى المحتجزين بالقوة وبالتالى فإن ذلك سيشكل خطراً على حياتهم.

وتوقع أن يكون إيقاع العمليات العسكرية فى قطاع غزة أو فى جنوب لبنان أكثر قوة وسيفتح الباب أمام معركة أوسع سيخوضها نتنياهو المنتشى الذى يرى بأنه حقق جزءًا من أهداف اليمين الإسرائيلى المتطرف، وهو ما يجر المنطقة إلى حرب إقليمية أكبر ليس من المستبعد أن تشكل خطراً على وجود دولة إسرائيل ذاتها، لأنه فى حال ألحقت الحرب بخسائر كبيرة فى لبنان أو سوريا فإن التنظيمات المسلحة هناك سيكون لديها ردود مختلفة ومن المتوقع أن يبقى الأمر أكبر من حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، لأن الأول أضحى الآن لديه أكثر من 20 ألف صاروخ دقيق ومدمر وخطوط إمداد قوية ولديه أسلحة متنوعة بما فيها المسيرات، وشدد على أن التنظيمات المماثلة فى سوريا والعراق وربما إيران ستدخل على خط هذه الحرب، وأن توسيع دائرة الحرب من المتوقع أن ينقذ نتنياهو لكنه يشكل خطراً وجوديًا على إسرائيل التى ستكون الحرب مباشرة على الأراضى التى احتلتها، وهو ما يجعلنا لأول مرة نسمع من قادة دولة الاحتلال عن الخطر الوجودي، وهو ما يجعلنا أمام حسابات شخصية لقادة أمريكا وإسرائيل وليس حسابات الدول وهو ما يشكل خطراً على المنطقة بأكملها وسيكون تكلفة ذلك أكبر كثيراً مما هو متصور الآن وأن الحرب سوف تجر دخول دول أخرى ولن يكون معروفًا توقيت نهايتها، ما يجعلنا أمام مرحلة مفصلية بين الاحتواء أو التفجير.

وذكر أن فرص الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار تراجع بشدة فى الوقت الحالي، وأن الأيام المقبلة سوف تشهد مزيدًا من العمليات العسكرية فى غزة وعلى الحدود اللبنانية مع إسرائيل، كما أن توظيف الرصيف الأمريكى لإدخال عناصر المارينز إلى غزة يضرب مصداقية الولايات المتحدة كطرف يسعى لأن يكون وسيطًا، كما يبرهن على أن الرصيف لديه أهداف عسكرية وسياسية وليست إنسانية.

◄ الحرازين: المجزرة تؤثر سلبا على جهود التوصل لاتفاق

◄ الدول الإقليمية
وأكد القيادى بحركة فتح جهاد الحرازين، أن المجزرة الإسرائيلية ستؤثر سلبًا على جهود الدول الإقليمية فى الوصول لاتفاق تبادل أسرى يفضى لوقف الحرب، وأن عدم الوقوف أمامه يبقى أملاً يتمسك به الفلسطينيون لإنهاء الحرب بما يضمن عدم عرقلة هذه الجهود، وأن ما يتعرض له الأبرياء على مدار تسعة أشهر من حرب إبادة متواصلة يجعل هناك حاجة ماسة الآن للتهدئة وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين وإعادة الإعمار وفقًا للمقترح الأمريكى، وشدد على أن الحادث سيكون له تأثير زمنى على الحرب بمعنى أن الهدنة قد يتم تمريرها ولكن بعد فترة وليس الآن، وأن زيارة وزير الخارجية الأمريكى يشير لإمكانية إحياء المسار التفاوضي، مع ضرورة ألا تستمر حركة حماس فى موقفها المتفرد بشأن اتخاذ القرارات المرتبطة بقطاع غزة وأن تعود إلى منظمة التحرير الفلسطينية لكى تكون المنظمة قادرة على إدارة العملية التفاوضية وعدم اقتصار الأمر على وقف إطلاق النار، والعودة لما قبل السابع من أكتوبر مع استحالة العودة للوضعية السابقة أمام حالة الدمار التى تعرض لها القطاع مع تدمير 85% من المنازل وتدمير كافة مقومات الحياة.