حرص أمريكي على أدوار القاهرة لإرساء السلام

تهديدات مصر تـُرغم إسرائيل| على العودة لطاولة مفاوضات الهدنة

بايدن ونتنياهو
بايدن ونتنياهو

■ كتب: أحمد جمال

تصدت مصر بقوة لجملة من الأكاذيب الإسرائيلية التي رددتها على لسان وزرائها المتطرفين أو عبر الاستعانة بالإعلام الأمريكي في محاولة لخلق رأى عام دولي ضاغط على الدولة المصرية، وهو ما نتج عنه تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي اتصالا من الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد عاصفة غضب مصرية أصابت أهدافها بدقة خلال الأيام الماضية مع التهديد بالانسحاب من مفاوضات الهدنة، وكذلك التأكيد على الانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

ونقلت وكالة «فرانس برس» الفرنسية، تصريحات لمسئول إسرائيلى قبل أيام أكد خلالها، نية الحكومة الإسرائيلية لاستئناف المحادثات هذا الأسبوع بهدف التوصل إلى اتفاق للإفراج عن الرهائن فى غزة، وهو الأمر الذى أكدته مصادر مصرية أيضا، ما يشير إلى أن الموقف المصرى الذى اتخدته فى أعقاب الأكاذيب التى نشرتها شبكة «سى إن إن» دفع الأطراف الدولية لتسريع وتيرة الالتئام مرة أخرى للتباحث حول الصفقة بعد أن توقفت المفاوضات لأكثر من أسبوعين.

وينتظر أن يصل القاهرة الأسبوع المقبل، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز لإجراء محادثات مع مسئولين مصريين، ومسئولين قطريين ومع رئيسى الموساد والشاباك ديفيد برنياع ورونين بار، فى مسعى لإتمام صفقة الهدنة وتبادل الأسرى.

◄ اقرأ أيضًا | انتخابات أمريكا 2024 | كيف يؤثر دعم نجوم هوليوود في مسار سياسة البيت الأبيض؟

◄ ردود قوية
وتمكنت الردود المصرية القوية على الأكاذيب الأمريكية الإسرائيلية من إحداث حالة من القلق فى أوساط غربية تعول على مصر للوصول إلى سلام يتم بمقتضاه حل القضية الفلسطينية، وعبرت حنكة الموقف المصرى فى التعامل مع تطورات القضية الفلسطينية على مدار تاريخها بأن هناك حائط صد منيعا يقف أمام المخططات الإسرائيلية غير المعلنة وتتمثل فى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهالى قطاع غزة وهو أمر يترك تأثيراته السلبية على مستوى تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

وقال الدكتور أيمن عبدالوهاب، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الاتصال الذى أجراه الرئيس الأمريكى جو بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسى أوضح جميع الحقائق حول المحاولات الفاشلة للضغط على مصر أو تحميلها بعض المسئوليات التى تسبب فيها الاحتلال الإسرائيلى خلال حرب الإبادة، وأن الاتصال لديه دلالاته بعد التلويح المصرى بإمكانية الانسحاب من المفاوضات، وهو موقف أدركته جميع القوى الدولية والإقليمية.

أضاف، أن الاتصال الأمريكى خير دليل على نزاهة المفاوض المصرى وتمسكه بالقوانين الدولية وتأكيده على الحقوق الفلسطينية، وثوابت الموقف المصرى على مدار التاريخ، إذ إن الأمر لا يرتبط فقط بالحرب الدائرة حاليًا فى قطاع غزة، مشيراً إلى أن الأكاذيب التى رددتها شبكة «سى إن إن» الأمريكى بمثابة محاولة من الإعلام الأمريكى الإسرائيلى لتشتيت الأذهان عن حرب الإبادة فى غزة ومحاولة إلقاء المسئوليات على أطراف أخرى، مُشيرًا إلى أن التحركات الأمريكية الأخيرة فى أعقاب اتصال بايدن ومساعيها نحو إدخال المساعدات والتحفيز على استمرار الدور المصرى فى المفاوضات من الممكن أن يلقى بظلاله على المشهد الراهن فى قطاع غزة، بخاصة فى ظل الضغوط الإسرائيلية الداخلية، مستبعداً فى الوقت ذاته إمكانية الاستجابة لمطالب أمريكية وإسرائيلية تذهب باتجاه طرح نشر قوات عربية فى غزة فى مقابل وقف الحرب، لافتَا إلى أن الدول العربية ومصر لا يمكنهم القبول بذلك وفى حال كانت تسوية شاملة للقضية الفلسطينية فإن ذلك الطرح قد يشهد مناقشات بشأنه.

◄ هزيمة إسرائيل
وقال الدكتور أحمد فؤاد أنور، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إن إسرائيل اعتادت على ابتزاز مصر لكى تضغط على المقاومة الفلسطينية بهدف تخفيف شروطها، وهو ما يظهر مما تردده بشكل مستمر بشأن عملية ضبط الحدود والحديث عن إدارة القطاع بالوكالة عن الاحتلال، وبعدما فشل الابتزاز الإسرائيلى فى تحقيق أهدافه انتقل الأمر إلى الإعلام الأمريكي، وأن بعض الأبواق الأمريكية تحاول الآن تنفيذ ما فشلت فيه إسرائيل وإعلامها وقيادتها، وأضاف أن الأكاذيب الأمريكية الإسرائيلية تستهدف أيضا، إلقاء الفشل العسكرى الإسرائيلى فى غزة على مصدر خارجي، وكذلك وضع مصر فى موقف محرج بعد أن رفضت تقليل أعداد أهالى القطاع وانتبهت منذ البداية إلى أن ذلك بمثابة تهجير للفلسطينيين يستهدف تصفية قضيتهم.

وأكد أن الأيام الماضية كانت شاهدة على فشل الهجمة الأمريكية الإسرائيلية، وأن الجميع الآن قرر التعاون مع مصر مجدداً لإنجاز صفقة الأسرى، تحديداً وأن التصريحات القوية التى صدرت من هيئة الاستعلامات ووزارة الخارجية إلى جانب وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، وأدرك الجميع أن هناك غضبا مصريا يهدد تماسك اتفاقية السلام من خلال تجميدها أو خفض مستوى التنسيق الأمنى فيها، وتوقع استئناف المفاوضات خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم مشيراً إلى أن الأجواء تمهد لموافقة إسرائيل على صفقة للأسرى، مع وجود معسكرين أحدهما لديه الرغبة فى إحلال السلام وفى ظل الفشل العملياتى والعسكرى القائم، لافتًا إلى أن إسرائيل كانت لديها رؤية تشى بدخولها الحرب لكسر إرادة المقاومة وفرض شروطها عليها وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، كما أنها لم تصل إلى المحتجزين لدى حماس، ولم تصل أيضا إلى قادة الحركة، وأن توغلها العسكرى ووصولاً للسيطرة على أجزاء من محور فيلادلفيا لم يقود لسيطرتها على القطاع وهناك مقاومة حقيقية ضد الاحتلال على الأرض.

ولفت إلى أن الجانب المهم فى هزيمة إسرائيل ليس عسكريًا فقط بشكل مباشر، لأن العالم كله يتحدث عن إقامة الدولة الفلسطينية وأهمية الاتجاه نحو مبدأ حل الدولتين وهناك ملاحقة لها فى المحكمة الجنائية الدولية فى سابقة أولى، إذ إن تأسيس تلك المحكمة كان يستهدف معاقبة المحور المعادى للغرب وليس إسرائيل الحليف المدلل للقوى الغربية.

◄ محكمة العدل
وأصدرت محكمة العدل الدولية، قرارًا يأمر إسرائيل بالوقف الفورى لهجومها العسكرى فى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بالإضافة لمجوعة قرارات أخرى تهدف لحماية المدنيين الفلسطينيين من ويلات الحرب، وذلك بناء على طلب جنوب إفريقيا ضمن دعوى شاملة تتهم تل أبيب بارتكاب جرائم إبادة جماعية فى القطاع، وقالت المحكمة فى القرار الذى حظى بإجماع غالبية القضاة الـ15 فيها، إنه على إسرائيل «أن توقف فورا هجومها العسكرى وأى أعمال أخرى فى محافظة رفح، قد تفرض على السكان الفلسطينيين فى غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدى إلى تدميرهم جسديا كمجموعة أو على نحو جزئى»، كما أمرت المحكمة إسرائيل بفتح معبر رفح بين مصر وغزة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وقالت إنه يتعين على إسرائيل السماح بوصول المحققين إلى القطاع المحاصر وتقديم تقرير عن التقدم المحرز فى غضون شهر واحد، وجاء فى نص القرار -الذى تلاه رئيس المحكمة القاضى اللبنانى نواف سلام- أنه «وفقًا لمعاهدة منع الإبادة الجماعية فإن أى عمل إضافى فى رفح قد يؤدى إلى دمار جزئى أو كلى».

وأوضح القاضى سلام، أن الظروف تقتضى تغيير القرار الذى أصدرته المحكمة فى 28 مارس الماضي، وهو ثانى قرار فى إطار الدعوى يلزم إسرائيل باتخاذ تدابير طارئة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وجاء بعد القرار الأول فى يناير الماضي، والذى أمر تل أبيب بالامتثال لمعاهدة منع الإبادة الجماعية.