7 أشهر من إراقة دماء المدنيين| ضغوط دولية وراء المقترح الأمريكي لإنهاء الحرب بغزة

نتنياهو في اجتماع لمجلس الوزراء لمواصلة الحرب لمنع انهيار حكومته الهشة
نتنياهو في اجتماع لمجلس الوزراء لمواصلة الحرب لمنع انهيار حكومته الهشة

■ كتبت: دينا توفيق

معاناة إنسانية لأكثر من سبعة أشهر مع استمرار نزيف دماء الفلسطينيين، مجازر ومذابح في غزة، وجرائم إبادة، نهب واغتصاب للأرض؛ أثمان باهظة دفعت وأرواح زهقت والأوضاع تزداد سوءًا، حرب طويلة شنها الكيان الصهيوني بدعم أمريكي لأطماعهم ومكاسبهم السياسية، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، لم تتوقف المساعي الدبلوماسية والجهود الدولية - خاصة مصر- لإنهاء الحرب والتوصل إلى تهدئة وضرورة وقف فوري ودائم لإطلاق النار، حقنًا لدماء الفلسطينيين. ومؤخرًا، أعلن الرئيس الأمريكي «جو بايدن» عن اقتراح إسرائيلي لوقف إطلاق النار.

◄ بايدن: الحرب لن تؤدى إلا لتعثر إسرائيل واستنزاف مواردها وزيادة عزلتها

◄ غزة تضر بـ«بايدن» سياسيًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية

وفي خطاب ألقاه من البيت الأبيض، كشف بايدن عن المقترح وتنفيذه على ثلاث مراحل، والذى يستلزم إطلاق حماس سراح جميع الرهائن مقابل وقف دائم للأعمال العدائية فى غزة. ووصف بايدن الخطة بأنها طريق نحو «نهاية دائمة» للصراع الحالي، وقال إن حماس «لم تعد قادرة على تنفيذ 7 أكتوبر آخر»، بحجة أن الحرب إلى أجل غير مسمى سعيًا وراء فكرة النصر الكامل غير المحددة، لن تؤدى إلا إلى تعثر إسرائيل في غزة واستنزاف مواردها الاقتصادية والعسكرية والبشرية وتعزيز عزلتها فى العالم.

وأضاف: «لقد حان الوقت لهذه الحرب أن تنتهي». وادعى أن إسرائيل وافقت على الخطة لكنه لم يوضح على وجه التحديد من الذى فعل ذلك داخل مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلى المنقسم. ووفقًا لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، وصف مسئولو إدارة بايدن الاقتراح بأنه أفضل عرض يمكن لأى من الجانبين أن يأمل فى الحصول عليه، بعد أشهر من المحادثات المتقطعة.

وجاء إعلان بايدن مع تعثر الجهود السابقة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وخلال الشهر الماضى، قبلت حماس خطة وقف إطلاق النار الكاملة من مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة أيضًا، والتى كانت ستؤدى إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين. ومع ذلك، رفضت إسرائيل الصفقة ومضت قدمًا فى هجوم عسكرى وحشى على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، مما أدى إلى تهجير حوالى مليون فلسطيني قسرًا.

◄ ضغوط دولية
ووفقًا لما نشرته «سكاى نيوز» الإنجليزية، أن الفرق هذه المرة هو أن الأمر يأتى بمثل هذه البداية من البيت الأبيض؛ فالرئيس الأمريكى المحبط يعرقل عملية إعادة تأكيد السيطرة على إدارته من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، نظرًا لأن غزة تضر بـ«بايدن» سياسيًا فى الولايات المتحدة مع استمرار ارتفاع عدد القتلى. كما تتعرض الولايات المتحدة، باعتبارها الداعم العسكرى والدبلوماسى الرئيسى لإسرائيل، لضغوط دولية متزايدة لإنهاء الهجمات الإسرائيلية التى أودت بحياة أكثر من 36 ألف فلسطينى، وفقًا لوزارة الصحة فى غزة.

وقد اشتدت هذه الضغوط، بما فى ذلك الانتقادات الداخلية لدعم بايدن لإسرائيل، مع استمرار إسرائيل فى الهجوم العسكرى الذى شنته على رفح المكتظة بالسكان قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. وكما أوضح بايدن فى تصريحاته بالبيت الأبيض، فإن الخطة المكونة من ثلاث مراحل تعكس المقترحات السابقة التى ماتت على طاولة المفاوضات.

ويبدأ الأمر بوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع وعودة النساء والأطفال وغيرهم من الرهائن، والإفراج عن «مئات» الأسرى الفلسطينيين فى إسرائيل، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان فى غزة. وتبدأ المرحلة الثانية بمجرد وقف إطلاق النار المبدئى والتوصل إلى نهاية دائمة للقتال والانسحاب الإسرائيلى الكامل من غزة، إلى جانب إطلاق سراح كافة الرهائن المتبقين. أما المرحلة الثالثة فالتى تبدأ فيها خطة إعادة إعمار كبرى لغزة. وتحدد المرحلة الثالثة من الاقتراح الجديد فترة من ثلاث إلى خمس سنوات لإعادة إعمار غزة بتمويل دولى وتشكيل حكومة فلسطينية غير تابعة لحماس.

لم يحدث من قبل خلال هذه الحرب الطويلة أن أعرب بايدن عن دعمه لإنهاء الحرب بمثل هذه العبارات، دائمًا كان يعلن عن تأييده لإسرائيل والصهيونية. وحتى اليوم، لم يكن يعتقد أن الحرب يجب أن تنتهي. لكن فى خطابه الذى استمر 15 دقيقة، بدا وكأنه يلتف حول نتنياهو؛ وقال «وإننى بحاجة لمساعدتكم؛ يجب على كل من يريد السلام الآن أن يرفع أصواته ويعلم الزعماء أن عليهم قبول هذا الاتفاق».

وفجأة أصبح يتحدث بكلمات الكثيرين كالمحتجين فى الحرم الجامعى بالولايات المتحدة، والعديد من الزعماء الأوروبيين والشرق أوسطيين، وبالطبع الأمريكيون الذين يحتاج إلى أصواتهم فى نوفمبر. إنها مقامرة ولكن هناك الكثير من الأمور المجهولة، ولكنها أكبر فرصة حتى الآن لوضع حد للرعب فى غزة.

إن حجم الموت والدمار الذى شهده قطاع غزة، ولحقت بالبنية التحتية التى بلغت 18.5 مليار دولار فى تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولى، يُنظَر إليه على نحو متزايد باعتباره إدانة لنظام عالمى تقوده واشنطن، ما قد يعنى أن تصبح الحرب فى غزة نقطة انهياره؛ حيث إن الاتجاهات والتطورات الأخيرة، من الحروب فى غزة وأوكرانيا إلى المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، قد تبشر بحساب جيوسياسى عالمى.

وترى صحيفة «الجارديان» البريطانية، أنه لو أصر بايدن على أن توقف إسرائيل الحرب على غزة، وتوقفت واشنطن عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، فربما سيحصل على عدد كبير من الأصوات من الأمريكيين الذين يعتبرون حقوق الإنسان والحرية قيمًا أمريكية أساسية.

إن اختيار بايدن تسليم انتخابات عام 2024 لمنافسه الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» دفاعًا عن الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة سوف يسجل فى التاريخ. لقد أطفأ بايدن مكانة الولايات المتحدة كمنارة «للحياة والحرية» للعالم. لقد قام بتلطيخ اسم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل لا رجعة فيه، ويشعر مواطنو العالم بالاشمئزاز.

◄ اقرأ أيضًا | 253 شهيدا ومصابا فى 24 ساعة.. والأمم المتحدة: الأوضاع مفجعة

◄ اقتراح إسرائيلي
وإذا كانت هذه الخطة اقتراحًا إسرائيليًا كما زعم بايدن، فلماذا أطلقها فى واشنطن؟ وفقا لموقع أكسيوس الإخبارى، رفض نتنياهو فى البداية الاقتراح الجديد، لكنه تراجع تحت ضغط من قادة الجيش والمخابرات وأعضاء آخرين فى حكومة الحرب.

وهذا من شأنه أن يفسر سبب تركه لبايدن الكشف عن الخطة، ورد فعله الأقل فتورًا. وكان هذا الرد بمثابة تذكير للرئيس الأمريكى بالقيود المفروضة على نفوذه فى المنطقة. نتنياهو، الذى تلقى مؤخرًا دعوة لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونجرس فى الأشهر المقبلة، لديه القدرة على إلحاق المزيد من الضرر بحملة بايدن الانتخابية الضعيفة.

بالنسبة لنتنياهو، يعتمد البقاء السياسى والفرار من اتهامات الفساد باستمرار الحرب. سوف تبدأ محادثات وقف إطلاق النار مرة أخرى، مما يجلب قدراً صغيراً من الأمل، ولكن إذا أرادوا لها أن تنجح، فلابد أن يتم ذلك على إجبار قادة على كلا الجانبين.

ودعت الولايات المتحدة ومصر وقطر، حركة حماس وإسرائيل إلى ضرورة إبرام صفقة تتوصل إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة. وجاء فى بيان صادر عن الدول الثلاث تدعو مجتمعين، بصفتهم وسطاء فى المناقشات الجارية لضمان وقف إطلاق النار فى قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، كلا من حماس وإسرائيل لإبرام اتفاق يجسد المبادئ التى حددها الرئيس بايدن فى 31 مايو 2024.

وأضاف البيان أن هذه المبادئ تجمع مطالب جميع الأطراف معا فى صفقة تخدم المصالح المتعددة، ومن شأنها أن تنهى بشكل فورى المعاناة الطويلة لكل سكان غزة، وكذلك المعاناة الطويلة للرهائن وذويهم.

ووفقًا للصحيفة الأمريكية، لم يتم الإعلان عن أى ضمانات أمريكية إضافية، بخلاف الإمدادات الحالية من الأسلحة والتعاون الاستخباراتى؛ فإن الولايات المتحدة ستكون بمثابة الضامن لالتزام إسرائيل بشروط الصفقة.