محمود الوردانى يكتب |عن المجال العام .. لا عن الجوائز

محمود الوردانى يكتب|عن المجال العام ..لا عن الجوائز
محمود الوردانى يكتب|عن المجال العام ..لا عن الجوائز

أبادر إلى القول إن الجوائز الأدبية العربية أصبحت عقبة حقيقية أمام الكتابة والإنتاج الأدبي العربي، وامتلكت الآن سطوة وتأثيرا سلبيا، وتخلّت أو بالأحرى تحولت من داعم ومحتضن ودافع، إلى عقبة تهدد الكتابة والإنتاج الأدبي.


وإذا كان الواقع الأدبي والثقافي في بلداننا العربية على هذا النحو المزري حقا، فإن انفراد الجوائز بالميدان وحدها، سيؤدي إلى المزيد من التردي. لنواجه أنفسنا: ليست هناك حركة نقدية، ولا صحافة ثقافية، ولا نشاط أدبي محترم، أي ندوات ومؤتمرات، ولا واقع أدبي وثقافي حي وفاعل، والأهم من كل هذا أننا نعيش في ظل خنق شبه كامل للمجال العام، وسقف مزر كما يعرف الجميع.


عندما يتوافر المناخ ويرتفع السقف وتنشط الحركة النقدية والصحافة الأدبية، فإن الجوائز تصبح جزءا من المشهد الأدبي، بل ويختفي هذا التنافس البغيض، وتكف الجوائز عن أن تصبح» رتبة» شبه عسكرية، ويتم دمجها في سياق صحي على الأقل.


قلت من قبل إنني لست ضد الجوائز، بل أعتبرها سدادا لجزء من حق الكاتب المادي الذي تتناهشه بعض جهات النشر، كما أنها تروج الأعمال الأدبية للقراء وتلفت النظر لأسماء شابة واعدة، وعلى سبيل المثال كان السنعوسي الكويتي ومحمد حسين علوان وعزيز محمد السعوديين، وعلى الرغم من الأخير وصل إلى القائمة القصيرة في البوكر فقط، كانوا مفاجأة وأعمالهم تليق بأرفع الجوائز، والأهم أنها أعمال شاهقة حقا وتشير إلى خصوبة التربة.. ومع كل هذا لا يجب أن تكون الجوائز وحدها في الميدان، وألا تكون «سلطانية» كبيرة على رأس الفائز!.


لا أعتقد مطلقا أن هناك «تربيطات» و«اتفاقات سرية» في لجان تحكيم الجوائز، سواء العربية أو المصرية، وكنت شاهدا على بعضها كمحكّم، وأستثني جوائز الدولة في مصر( مع فرحي الطاغي بفوز الكبيرين داوود عبد السيد وإبراهيم عبد المجيد بجائزة النيل، فهما لا يستحقانها فقط بل ويشرّفانها، وفي الوقت نفسه ذهبت الجائزة نفسها إلى من يعتبرهم البعض أقل كثيرا من جائزة رفيعة كهذه) ففرصة التربيطات أوسع بسبب طبيعة نظام التصويت.


أما الجوائز الأخرى فهي أصلا لا معايير لها، وتعتمد فقط على الأذواق الشخصية للمحكميّن، وهو أمر لا غبار عليه في حد ذاته، والمشكلة في أن قراراتها تصبح ذات سلطة وترفع هذا وتخفض ذاك، في ظل غياب حياة أدبية أصلا.


كما لا أعتقد أن انتماء الكاتب إلى هذ البلد العربي أو ذاك يلعب دورا كبيرا في منح الجوائز، بل يتم التصويت وتجري المناقشات وفقا للذائقة الشخصية للمحكّمين في  نهاية الأمر.


لا تكمن المشكلة إذن في الجوائز ذاتها، المشكلة في غياب الحد الأدنى من حياة أدبية عربية،  قادرة على أن تضع الجوائز في حجمها الحقيقي وفي سياق مختلف.


منذ سنوات يحرص الكُتّاب على أن يثبتوا على أغلفة كتبهم أسماء وتواريخ الجوائز التي حصلوا عليها، كأنها شهادة مسبقة ومستند.. هناك سطوة الآن و«رتبة» شبه عسكرية كما أسلفت للحاصلين عليها.


أرجو أن ألفت النظر وأؤكد أن ما ذكرته لا ينفي إطلاقا إعجابي واحترامي لكثير من الأعمال الفائزة، في جوائز مختلفة مصرية وعربية، إلا أنني أستدرك بسرعة، وأضيف وإعجابي واحترامي أيضا لأعمال لم تفز.

وأخيرا نحن نحتاج على سبيل المثال لجهد نقدي شاق، واضعين في اعتبارنا ضرورة وأهمية أن تتفتح اتجاهات وتيارات أدبية عديدة وحتى متعارضة، وفوز كاتب لا يعني انتصارا على الآخرين، وعدم فوز كاتب لا يعني خسارة. نحن نحتاج لغير الفائزين، وليس للفائزين فقط.

اقرأ أيضا | على المقرى يكتب |العملية الإبداعية متعلقة بمنجز الفرد نفسه