على المقرى يكتب |العملية الإبداعية متعلقة بمنجز الفرد نفسه

على المقرى|العملية الإبداعية متعلقة بمنجز الفرد نفسه
على المقرى|العملية الإبداعية متعلقة بمنجز الفرد نفسه

لا أظن أن النزعة الشوفينية، فى الثقافة العربية، قد ازدادت فى الآونة الأخيرة، فهي، حتى وإن وجدت، لا تبدو مؤسسة أو ممنهجة التوجه؛ وما يظهر من احتفاء بكاتب أو فنّان فى بلد ما لا يعدو كونه فرحاً، أو لنقل احتفاء من الأسرة بشكلها الكبير بمنجز أحد أبنائها أو بناتها؛ وعادة ما يكون ذلك فى مستويات عديدة لا تخلو من القراءات النقدية، أو الرافضة لمنجز المحتفى به.


فما نلاحظه، فى معظم الثقافات، هو احتفاء كل بلد بكتابها وتشجيعهم من خلال الجوائز والأوسمة، أو الاحتفاء بهم فى حال حصولهم على تكريم عالمى، أو خارج بلدهم؛ وهكذا نجد المصريين يحتفون أكثر بنجيب محفوظ كما احتفى به العرب حين فاز بنوبل.


هذا لا يعنى التصالح الكلى مع ما ينتجه البلد (الوطني)، إذ تبقى العملية الإبداعية متعلقة بمنجز الفرد نفسه مهما كانت المؤثرات الاجتماعية، وكان نيتشه، وهو الألمانى، يتهجَّم على الفلسفة الألمانية فيما يمدح الفلسفة الفرنسية، دون أن يخرج فى ذلك عن إطار الرأي. 


ما يحدث، كما أظن، هو حراك إعلامى يجيء مع انتشار الجوائز الأدبية، وربما يؤدى إلى توسيع دائرة قراءة الأدب والنقاش حول ما أنجز أو ما ترشحه هذه الجوائز للقراءة. 


لهذا من الصعب تحجيم هذه المشاعر الشعبوية المحلية، أو المحتفية بالجوائز، لكن من المهم أن تحافظ هذه الجوائز، بالمقابل، على استقلالها النسبى والاهتمام بالمنجز الأدبى وليس بجغرافية منشأه. 


فهناك الكثير من الأصوات الأدبية التى تميّزت بمنجزها الإبداعى ولم يتم الالتفات إليها لكونها تعيش خارج بلدان، أو مدن، المراكز الثقافية العربية الكبرى التى تسود فيها المنابر الثقافية والإعلامية المحددة لتوجهات النشر والدعاية.


إضافة إلى أن هناك مراكز ثقافية عربية جديدة صارت تحتل مركز الصدارة فى الإعلام بسبب أنشطتها الثقافية المصاحبة لمعارض الكتب وتوزيع الجوائز، ولما تمتلكه من إمكانيات مادية قادرة على استقطاب المتميزين فى الحياة الثقافية والأدبية.


ففى عقود سابقة كانت بيروت والقاهرة وبغداد والكويت مراكز للاستقطاب الثقافى والأدبى فى العالم العربى وبدت حالياً فى حال تراجع كبير بسبب انهيارات مؤسساتية كبيرة تتعلق بالتوجهات السياسية والاجتماعية، بل إن بعضها صارت تضيق من الحرّيات الأدبية وتصادر وتمنع أى كتابات خارج إطار التوجه الرسمى الذى أصبح بدون مشروع ثقافى تنويرى، وهى بذلك تتصالح مع كل النزعات الدينية المتطرفة وإن لم تقل ذلك.


وهكذا بدأت مراكز ثقافية وإعلامية تنشأ مثل أبو ظبى والرياض والدوحة متجاوزة بإمكانياتها المادية العثرات التى شهدتها المراكز التقليدية للثقافة العربية، وإن ظلت تطرح الأسئلة نفسها فيما يتعلّق بحرّية الإبداع ومدى التشجيع للإعمال المتجاوزة للثقافة التقليدية والمحافظة.


هذا التماوج بين مراكز ثقافية قديمة وحديثة، ومنجزات أدبية تأتى من بلدان ما يسمى بالهامش العربي، هو الذى أوجد كل هذا اللغط، فى وسائل التواصل الاجتماعية خاصة، وهو لغط سيؤدى إلى نقاشات صحية مهما ازدادت حدتها، إذ لا يمكن، كما أظن، أن تؤدى إلى احتدام شوفينى أو غيره.

اقرأ ايضا | الفائز بجائزة البوكر البريطانية «دامون جالجوت»: أشعر بالذنب لفوزي بالجائزة