تساؤلات

«عاملين نايمين»

أحمد عباس
أحمد عباس

الأب رجل شريف يسعى من صباح كل يوم حتى المساء ويعود، يعمل بين وظيفتين محترمتين ويحقق دخلا كريما فيؤمن تعليما جيدا لأطفاله وغذاء مثاليا بل ونادِيا رياضيا يتناوبون فيه على كل الرياضات. أما الأم فكانت موظفة -قبل بلوغها سن المعاش- فى جهة مهمة بدخل جيد يؤمّن لها حياة كريمة بمفردها ويحقق استقلاليتها ان ارادت -ولم تُرد- ويضمن لها ذمة مالية مفصلة اذا شاءت. لا ممتلكات أو أصول تصنف ميراثا بعد عمر طويل، وهكذا سارت الحياة.


لهما من الذرية أربعة.. يسكنون بيتا لائقا بشرق القاهرة، الولدان كانا شريكين فى غرفة والصبيتان اشتركتا فى غرفة واحدة، والأب والأم غرفة، وهذه قسمة عدل قسمها الأبوان قبل زواج الولد الأكبر والابنة التالية.


أما الأبناء.. فولد أكبر يعمل موظفا بأحد البنوك متزوج ويعول رضيعا، وصبية وارفة فى نهاية العشرينيات متزوجة ولديها طفلان، وولد على أبواب التخرج من الجامعة وابنة فى صفها الثانى بكلية الهندسة، أربعة بالتمام.
المسائل كانت هادئة تمامًا.. البنت الكبيرة تزوجت من زميل دراسة له عائلة مشابهة، والولد الأكبر زوَّجه والداه من ابنة الجيران بعد أن أنهى له أقساط شقة جيدة فى مدينة جديدة. استحوذ الولد الصغير على كامل الغرفة وضم سرير أخيه الى سريره لتكون النومة أكثر راحة، وبالمثل فعلت الصبية آخر العنقود.


الأب هادئ لم يعد عليه شىء لأحد ولا يبقى سوى الولد الأصغر ستئول له شقة الأبوين ليتزوج فيها والبنت الصغرى ستذهب لبيت العدَل، وهكذا يفكر الآباء..
لم يصحُ البيت على خبط مثل هذا من قبل كأن الواقف على الباب يستغيث أو يستجير بقريب، البنت الكبيرة واقفة الى جانبها شنط سفر تكفى لها ولطفليها، عادت الى بيت أبيها بعد خناقة زوجية قالت خلالها ما لا يغتفر وأهانها زوجها بما يكفى لمغادرة البيت والعودة لسريرها فى غرفة أختها الصغرى.


أسابيع أو شهور بلا محاولة صلح واحدة من الزوج والبنت لا تغادر فيديو واحدا لمذيعة أو شيخ أو حتى فتاة ضائعة على الانترنت يتحدث عن القصاص من الزوج الا وشاهدته، ناهيك عن نصائح أقرب الأقربين، فخلعت زوجها بعد قضية بغيضة حكمت لها بمسكن الزوجية وحصة من دخل زوجها الشهرى-لا تسمن ولا تغنى من جوع- تخصص كنفقة للطفلين، وعادت الى بيتها وحيدة بطفلين لا يعرفان سوى أنهما سيكونان بلا أب.
أما الولد الأكبر فكان قد استعاد سريره فى غرفته الأولى مع شقيقه الأصغر بعدما عاد بهدوء ذات ظهيرة حتى بلا شنطة سفر بعدما أنهى زواجه بهدوء أسفر عن طفل وحيد سيعيش فى شقة الزوجية مع أمه الحاضن، ويعود هو لحضن أمه.


هذا ليس كل ما يضنيني، فلا قيمة لنا اذا انكرنا الحقيقة.. نحن امام جيل مطلق ويتطلق فى كل ثانية ومنذ سنوات ربما مع بداية العشر الأخيرة ونحن مشغولون ومنشغلون، و«عاملين نايمين»، وهذا اعتراف ووجهة نظر، أنا لا اخشى سوى على هؤلاء القادمين، ما الحالة اذا ما رأوا استقواء فقط، وطلاقا فقط، وخرابا فقط، ما الحالة!
تعرف ما الحالة!
عزوووف.. نعم حالة عزوف، سيعزف الأولاد عن الزواج، وتستعلى البنت على الرجل وتهينه، وتبقى النتيجة طوابير من العانسين والعانسات.. وبالمناسبة.. الرجل أيضا ينطفئ اذا لم يتزوج كما المرأة وهذا ليس عيبا أو نقصانا، المسألة فطرة بحتة واحتياج.


ولست هنا أتحامل على طرف دون الآخر والله لا، لكن أنا-حرفيًا- على خط الحياد، أتابع فقط من الخارج وهذه الصورة التى أرى،الثمن باهظ بكل الأحوال وعلى الكل حتى اذا لم يخطئوا، أقول ذلك ونحن ننتظر تعديلات مهمة على قانون الأحوال الشخصية وتصحيح الخطاب بشكل عام، سياسيا ودينيا واجتماعيا واقتصاديا، هذه معركة الكاسب فيها خسران بكل تأكيد.
الأسرة المصرية وأنا آسف.. تفككت، أصبحت أضدادا أو خصوما متحفزين، ونحن لا نزال نجهل ما نحتاجه بحق، نحتاج فقط الى تصحيح الخطاب الأسرى وهذا هو تصحيح الخطاب الذى أفهمه.