دون شك يملك الفنان أحمد حلمي كاريزما كوميدية خاصة، أهلته لاحتلال مكانة بارزة بين أبناء جيله ورصيد كبير لدى الجمهور بكافة فئاته، ذلك الجمهور الذى دائما ما ينتظر من نجمه عملا يترك تأثيرا مستمرا بالبهجة تعادلها حالة فنية مدهشة بدءا من الفكرة التى غالبا ما تكون غير تقليدية، ومرورا بالأداء التمثيلي السيناريو الملئ بمفاجآت الحبكة والإخراج، وهو ما تحقق فى أعمال سابقة مثل، “آسف على الازعاج”، “كدة رضا”، “عسل أسود”، و”إكس لارج”.
وفى فيلمه الأخير “واحد تانى” الذى يعود به حلمى إلى السينما بعد غياب ثلاث سنوات، بالطبع كان الجميع فى حالة شغف وارتفعت توقعات الجمهور المصري لـمواصله نجمه تقديم تلك السينما التى يحبها، لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب، الذي اعتاده المشاهد من حلمي، وهو المأزق الذى واجهه وربما سيصاحب حلمى فترة، لكن الفتى الذهبي للكوميديا قادر على عودة أخرى بلا شك.
الفيلم صاحبه ضجة كبيرة ربما لم تكن فى الحسبان، فمازال المناخ الاجتماعى متذبذب بين ما هو أخلاقى ولا أخلاقي فى نظرته للفن، وهنا اعترضت فئة، لوجود العديد من الإيحاءات التى يعتبروها غير مناسبة، وصفت بأنها زائدة عن الحد على مدى الفيلم، بينما توقعت فئة أخرى أن يكون الفيلم طوق نجاة حلمي، وعودته للنجاح مرة أخرى، بعد إخفاقه بفيلم خيال مآته في 2019.
“واحد تاني”، تدور أحداث الفيلم حول شخصيتنا الرئيسية “مصطفى الحسينى زياد أو اكس” إخصائي اجتماعي في مصلحة السجون، حيث يكتب تقارير عن حالة المساجين النفسية، بينما يعيش حياة روتينية ولاحقًا يقابل أحد زملاء دفعته فى الجامعة بعد عشرين سنة الذي يدعوه لحفل يجمع زملائهم القدامى فى بيت فيروز “روبى” ليكتشف الموظف أنه أفشل زملاء جيله.
يمر الفيلم بمحطات مختلفة عندما يخوض “إكس” بعض التجارب الخيالية عن طريق منحه كبسولة عن طريق دكتور علوان “سيد رجب” من شأنها أن تعيد ضبط المصنع داخله، ونجد أنفسنا أمام مواقف كوميدية هشه، وكأن المؤلف هيثم دبور قد استسلم لدائرة فكرية ضيقة فى أفقه.
مشهد واحد يقلب حياة بطل الفيلم «مصطفى الذي يعمل اختصاصياً اجتماعياً داخل السجون، ويعيش حياة روتينية، حين يلتقي زملاء دفعته في الجامعة بعد عشرين عاماً من تخرجهم، تستقبلهم في بيتها زميلتهم «فيروز» التي تقدمها الفنانة المصرية روبي، ويتحدث كل منهم بفخر عما حققه من نجاح مادي وأدبي خلال العقدين الماضيين.
يأتي الدور على «مصطفى»، فيقول إنه طاف سجون مصر كلها، فيعتقدون للوهلة الأولى أنه ارتكب جرائم تسببت في ذلك؛ لكنه يوضح لهم أن طبيعة عمله هي تأهيل المسجونين. ويشعر مصطفى بخيبة أمل أمام زميلته وحبه القديم «فيروز»، ويغادر اللقاء بمرارة، ويستعيد في بيته فيديو للقاء تلفزيوني معه عن مواهبه في العزف على الدرامز وتأليف القصص، وكان يتدفق حيوية، قبل ان يشعر بأنه عاش فى عالم تانى ، وعبر عدة مواقف تكشف الستار عن الفكرة العامة ، يقنعه شقيق «فيروز» الذي يلعب دوره أحمد مالك، بأن يفعل مثله، ويأخذ حقنة تعيد له الحيوية والشغف بالحياة، لتكون هذه الحقنة «اللبوس» بداية أزماته حين يحدث خطأ، ويصبح حاملاً لشخصيتين: الأولى «مصطفى»، والثانية «إكس» وتحمل أحمد حلمي الممثل عبء أداء الشخصيتين حيث تتصارعان داخله، ينام «مصطفى» فيستيقظ «إكس»، وهكذا تتوالى بعض المفارقات.
الكوميدية المتوقعة والتى بها إيماءات لا يحتاجها للإضحاك، بينما المخرج الموهوب محمد شاكر خضير لم يستطع استغلال إمكانيات حلمى وتوظيف صورة مدهشة تفاجأنا بلمحات، وكأن الترمومتر توقف، لم يتمكن من استغلال القدرات الفنية للممثلين مثل روبي، بجانب سيد رجب وعمرو عبد الجليل، وأن أفضل من قدم شخصيته بشكل فني متماسك هو أحمد مالك بشخصية “جاسر” ونسرين أمين فى دور “شيرويت” وهى وجه واعد.
القصة ينقصها الكثير، وكأن كاتبها كان فى عجلة من أمره، وهو ما ظهر أيضا فى الحوار الذى افتقد الى ديناميكية الحبكة الخلاقة، فعلى ماذا كان يراهن أصحاب العمل ، بالقطع على جماهيرية النجم، وبالفعل حقق إيرادات كبيرة وتسيد شباك التذاكر، فى موسم لم يسع سوى لفيلمين آخرين، وبالتالى كان طبيعيا تحقيق مثل هذه الايرادات، فلا وجود لمنافس حقيقى، كما أنه أمر طبيعي تصدر فيلم «واحد تاني» شباك الإيرادات، لأن جمهور حلمي العريض كان ينتظر عودته بعد غياب 3 سنوات، وارتفاع أسعار التذاكر هذا العام، بجانب عرضه على 180 شاشة، وهي نصف سعة دور العرض في مصر، كما استفاد الفيلم من مشاركته في مبادرة «سينما الشعب»، والتي أطلقتها وزارة الثقافة، لكن “نفس” حلمى لم يكن موجودا، وبالتالى خرج كثيرون غير راضين عن حلمى الذى يعرفونه، لافتقاد فيلمه الجديد للخيال الجاذب ولم يحقق المرجو منه.
النجم الكبير عليه دائما مسئولية تاريخه، فهو سوف يطارده، وتبقى المقارنات دائما حاضرة، بين ما قدمه ، وما سوف يطرحه، لا يجوز التراجع، أو الاقتراب من أى نقطة ضعف، ونجوم كثيرة واجهت نفس الأزمة ومنهم عادل إمام نفسه ، فهناك بعض الأفلام لم تشفع له جماهيريته، عندما افتقد البوصلة، وأغرته الايرادات الكبيرة، لكنه عاد مرة أخرى، ليقدم أفلاما إلتف حولها الجميع لأنه ادرك أن تاريخه لا يجوز العبث به، قبل أن تتسع المسافة بينه وبين الجمهور.
أحمد حلمي، ممثل له كاريزما خاصة، بأسلوب سهل وممتع وحضور طاغ يستحق الرهان عليه.. ومازال سباق الإبداع قائم حتى لو أخفق فى جوله منه.. وأخيرا دائما التاريخ والسينما تحتفل بالذين يحاولون وليس دوما المنتصرون فى شباك التذاكر.