تساؤلات

سليمان على سليمان

أحمد عباس
أحمد عباس

سليمان على سليمان هذا هو اسمه الثلاثي، أسماء الجدود تُورث عادة للأحفاد، تخرج لتوه لتتباهى به بلدته، فلاح مصرى من طوخ، له شعر كاحل وحاجبان كثيفا السواد، و«تفاحة آدم» تزين رقبته تعلو وتنزل كلما ضحك من قلبه أو جف ريقه، ونجمة وحيدة بارزة على كتفه تقول انه ضابط برتبة ملازم، أما لون بذلته فذلك هو لون المصريين الأليف، يحبونه بلا شروط ولا يفاوضون على الوثوق به.


لا أعرف عن سليمان الكثير لكنه أسمر يميل للون النهر لما تزيد خصوبته. ولم ألتقيه أبدًا، ربما فى عالم آخر تجمعنا جنة أما على الأرض فاللقاء محال، فالرجل الذى كانت ضحكته تزين الدنيا حتى أول أمس.. مات. غادر برجولة وراح بثمن، طالته رصاصات جبانة قتلته غدرا.
تعرف، الآن تذكرت.. أنا التقيت سليمان من قبل، لم أتثبت كم مرة فعلت لكن مؤكد آلاف المرات، رأيته فى أخى لما كان يرتدى ذات يوم نفس البذلة ليقضى تجنيده، وجارى العزيز، وصديقى عمرى وعمى وابن عمتي، رأيته فى وشوش عشرة رجال آخرين كانوا رفقته حتى يومها، رأيت سليمان فى جميع هؤلاء.
وأنا لا أنعى الرجال أبدا ما داموا قد غادروا رجالا واقفين على أقدامهم، لكنى أوثق هنا أنه فى يوم السبت الموافق السابع من مايو فى العام ٢٠٢٢ سقط أحد عشر رجلا لم يجنوا شيئا سوى أنهم يدافعون عن هذا البلد.


أنا فقط أدُوّن ما قد ينساه الناس عمدا أو عن غير قصد، فى هذا اليوم انفطرت ١١عائلة مصرية على الأقل على زينة شبانها، منهم من كان عائلا وآخر فلاحًا، وضابطًا، وعريسا.
ولست من محبى التباهى عادة بالميلاد ولا الوداعات الصاخبة ولا أميل لبكاء الرجال، أحسه مهما صدق يظل خشنًا وأقل مما يتوجب، لكننى والله أحتسبهم عند الله وأدعوا باللحاق بهم على خير.. اللهم ارحمهم واعف وتجاوز عنهم، وآت قلوب أمهاتهم وآبائهم سكينة يطمئنون بها حتى يوم اللقاء.


ثم إننى أبدا لا أحسب الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا لكن يعتصرنى فقدهم لما أرى الابتسامة على وشوشهم لما كانوا مجتمعين فى انتظار اذان مغرب للافطار معا أو صلاة عيد يؤدونها فى مواقع خدمتهم.
تبقى مسألة أخيرة.. وهى آخر ما كتبه الملازم سليمان على سليمان على «فيسبوك» وقال فيه: «كل عام وبيوتكم عمرانه بأهاليها كل عام ولمتكم زايدة زايدة ومش ناقصة حد»، الآن يا سليمان هذه اللمة تنقصك أنت وعشرة رجال آخرين، صحيح البيوت عمرانة بأهلك وأهلهم لكنها حزينة جدا على فراق أليم غيبكم فجأة.. رحمة الله عليك يا سليمان أنت ورجال وحدتك.. إلى لقاء قريب وقصاص أقرب بإذن الله.