فى أروقة السياسة

وستظل بورسعيد دائماً رمزاً للوطنية

د. سمير فرج
د. سمير فرج

بورسعيد مدينتى الحبيبة، التى أتشرف بانتمائى لها، وبعيش أجمل أيام حياتى فيها، فحفرت فى وجدانى أسمى معانى حب الوطن، منذ الصغر. عاصرت فيها الهجوم الأول للعدوان الثلاثي، فى عام 1956، بواسطة القوات البريطانية، والفرنسية، فخرج أهالى بورسعيد، حاملين أسلحتهم الخفيفة، التى وزعتها عليهم القوات المسلحة قبلها بأيام، للتصدى للدفعة الأولى من قوات المظلات البريطانية التى هبطت فى مطار بورسعيد، ونجحوا، بالفعل، فى القضاء على الفوج الأول.

ورغم مرارة الاحتلال، إلا أن المقاومة الشعبية، حولته لجحيم على المحتل، بعملياتها الفدائية، التى كان منها خطف الضابط الإنجليزى مور هاوس، ابن عم الملكة إليزابيث، وقتل ضابط المخابرات البريطانى جون وليامز، حتى خرج الإنجليز من بورسعيد يوم «عيد النصر»، فى 23 ديسمبر ١٩٥٦، وأذكر جيداً خروجى وجميع أهالى بورسعيد، لاستقبال طلائع الجيش المصري، عند مدخل المدينة، وهو اليوم الذى قررت فيه أن أكون ضابطاً بالجيش المصري.

وعند هزيمة مصر فى عام 1967، تحملت المدينة الباسلة ست سنوات قاسية، هُجر خلالهم أهاليها، تاركين منازلهم ومتاعهم، للعيش فى عشش رأس البر، وفى مدارس بالزقازيق وطنطا وباقى مدن الدلتا، لتعيش كل عائلتين فى فصل أحد المدارس، لا يفصل بينهما إلا ملاية سرير، ورغم ذلك لم يتذمر أى منهم، إيماناً منهم بالهدف الأسمى، حتى عادوا لبورسعيد بعد نصر أكتوبر 73. وحتى فى أيام حكم جماعة الإخوان، وبعدما كشف الشعب مخططهم، حرص أبناء بورسعيد على إظهار رفضهم لحكم الجماعة، بطريقة سلمية، من خلال تنظيم دورات كرة قدم مسائية، متحديين مواعيد حظر التجوال.

 وفى الأسبوع الماضى ضرب أهالى بورسعيد المثل والقدوة، فى التصدى لجشع التجار، عندما ارتفعت أسعار السمك بطريقة جنونية، فقرر أهالى بورسعيد، العظماء، الامتناع عن شراء الأسماك لمدة أسبوع، موجهين ضربة شديدة للتجار، رغم كون السمك هو الوجبة الرئيسية لأسر بورسعيد، ويتناولها معظمهم لمدة خمسة أيام فى الاسبوع. وتضامن معهم زوار اليوم الواحد للمدينة، الذين يحرصون على تناول وجبات الأسماك المميزة ببورسعيد، وحمل وجبة مماثلة لأحبائهم قبل العودة، لنرى أسواق السمك، فى بورسعيد، خالية، تماماً، من الزبائن. 

وبعد ثلاثة أيام انخفضت الأسعار، وصارت بورسعيد مضرب المثل، للمحافظات المحيطة بها، فى قوة وعظمة أبنائها، القادر على التخلى عن أحد أهم احتياجاته، فى مقابل تصحيح أوضاع خطأ، كتلك الناتجة عن جشع التجار، ليثبتوا أنهم شعب عظيم، يستحق الانتماء للمدينة الباسلة بورسعيد.